تفسير قوله تعالى:(( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )). حفظ
الشيخ : قال تعالى: (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا )) كم أخذنا من صفة بارك الله فيكم؟ أربعة. (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )). هم أيضاً مع كونهم يبيتون لله سجداً وقياماً. والذين يقيمون التهجد سيقيمون الفرائض من باب أولى. هم أيضاً منفقون. لكن إنفاقاً معتدلاً (( لَمْ يُسْرِفُوا )) هذه واحدة (( وَلَمْ يَقْتُرُوا )). الإسراف : الزيادة. والإقتار: النقص. يعني : لا يسرفون بزيادة ولا يقترون بتقصير. فهنا طرفان. هنا طرفان في الإنفاق : الأول : إسراف. والثاني : إقتار. ما بينهما يقول : (( وكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )) يعني: لا يميلون للإسراف ولا إلى التقتير. بل ينفقون بين هذا وهذا حسب ما تقوم به حاجاتهم. هل لأنهم فقراء أو لأنهم معتدلون؟ الثاني لا شك. حتى لو كانوا أغنى ما يكون لا يمكن أن يسرفوا. إذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا أنهم بين طرفين : إما مسرف يأتي بالطعام كثيراً ، باللباس كثيرا ً، بالفرش كثيراً ، بالسيارات كثيراً ، بكل ما ينفق يسرف، وإما مقتر لا يقوم بالواجب لأهله بل يقتّر عليهم. هناك قسم ثالث لكنه قليل يكون إنفاقه بين هذا وهذا. الإسراف له أمثلة كثيرة، منها : رجل شاب شاب في مقتبل العمر يريد أن يشتري سيارة. عرضت عليه سيارة جديدة بأربعين ألف ، ممتازة توصله إلى مكة والمدينة والرياض وغيره. وعرضت عليه سيارة أخرى بثمانين ألف ريال. وهو رجل قليل ذاتِ اليد يمكن لا يحصل على هذه السيارة إلا بقرض أو بتقسيط زائد على قيمتها الحاضرة. تجد بعض الشباب يختار إيش؟ التي بثمانين ألف. وهو رجل قليل ذات اليد. سبحان الله! فيبقى الدين عليه، وإذا حلَّ الدين ولم يوفِ فإن الدائن لا يرحمه. ماذا يصنع؟ يزيد عليه. يزيد عليه وإلا فالسجن. هذا المسكين لا يريد السجن لا شك. يذهب يستدين من شخص آخر ليوفي الأول. وإذا حلَّ دين الثاني نعم وليس عنده شيء طلب دائناً ثالثاً. وهكذا يكون بين أيدي الأغنياء كالكرة بين أيدي اللاعبين. هذا يضربه مرة وهذا يضربه مرة. لماذا يا أخي؟! اشترِ على قدك بأربعين ألف واقض حاجتك. وإياك والدين. الدين هم وغم. ومن ابتلي به فإنه لا يشبع. وأضرب لكم مثلاً في كراهة الرسول عليه الصلاة والسلام للدين. أتت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فقالت : يا رسول الله، وهبت نفسي لك ببلاش تريد أن يكون زوجاً لها. وهذه خاصة. التزوج بالهبة خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى : (( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )). فلم يُردها الرسول عليه الصلاة والسلام. قام رجل من الصحابة قال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة زوجنيها. قال: المهر. قال: المهر إزاري- ليس عليه رداء، تأمل! ما عليه إلا إزار. رداء فوق ما فيه شي. قال: إزاري. كيف إزارك؟ إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار. وإن بقي معك بقت بلا صداق. دور. ذهب الرجل دور قال: ما وجدت. قال : ( التمس ولو خاتماً من حديد ). خاتم للإصبع من حديد فلم يجد. هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام له : استقرض من إخوانك المسلمين؟ ما قال مع أن الزواج من ضروريات الحياة. ولم يفتح له باب الاستقراض. قال : ( هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. معي كذا وكذا. قال: زوجتكها بما معك من القرآن) يعني علمها الذي عندك ويكفي. فالمهم أن تهاون الشباب الآن وغير الشباب بالدين هذا غلط غلط عظيم. اقتصد على قدر الحاجة. لا تكن من المسرفين ولا من المقترين. ويقول العوام في المثل السائر: " مد رجلك على قدر لحافك ". هذا صحيح. الإنسان مثلاً إذا كان طويلاً واللحاف قصير ومد رجليه يخرج من اللحاف ويكون عرضة للبعوض وعرضة للبرد. لكن إذا كرفس رجليه على قدر اللحاف سلم. فالحاصل: أن من صفات عباد الرحمن أنهم ينفقون ولكنهم (( إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )).
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من عباد الرحمن. وسنتكلم إن شاء الله على بقية الآيات في اللقاءات المقبلة. أمدنا الله وإياكم بعونه، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. إنه على كل شيء قدير.
وأبشر إخواني الذين جاءوا من أماكن من غير هذا الحي. أبشرهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ). اللهم اجعلنا من هؤلاء إنك على كل شيء قدير. كيف؟ كيف؟ طيب.
يقول : إرشاد الناس إلى التقدم للازدحام لازدحام الناس في الخلف. التقدم التقدم الربع هذه ما فيها حد. الربع الثاني لو تقدموا نعم. طيب.
السائل : جزى الله والدنا خير الجزاء ونفعنا بعلمه.