تفسير قوله تعالى :(( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ )). حفظ
الشيخ : آخر ما وصلنا إليه. نعم. قوله تبارك وتعالى في وصف عباد الرحمن. نقرأ : (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا )) إيش؟ (( ربنا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً ومُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )). ثم قال - ابتداء هذا اللقاء - : (( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ )) أي : لا يدعون مع الله إلهاً آخر لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة. وإنما يدعون الله وحده. وهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل واتفقت عليه. كما قال الله تعالى : (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )). وقال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ )). كل الرسل أجمعوا على هذا. وحق لهم أن يجمعوا ، لأن الله تعالى أمرهم بذلك. وقال الله تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )). فهم لا يدعون مع الله إلهاً آخر لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة. دعاء العبادة : الركوع والسجود وجميع أنواع العبادة. فهم لا يذبحون لصنم. ولا ينذرون لصنم ولا لقبر ولا لشمس ولا لقمر. وإنما يجعلون العبادة لمن؟ لله الذي خلقهم. ولا دعاء مسألة أيضاً. لا يدعون غير الله دعاء مسألة. لا يأتون إلى صاحب القبر ويقولون : يا سيدي، يا مولاي، يا ولي الله، أعطني كذا وكذا. لا يقولون هذا ، لأنهم يعلمون أن غير الله لا يملك نفعاً ولا ضراً لا لنفسه ولا لغيره. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره الله أن يقول ويعلن : (( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ )). وإذا كان الله أمره أن يعلن : (( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً )) فكيف إذا كنت أنا لا أدفع عن نفسي لو أرادني الله تعالى بسوء. فكيف أملك ذلك لكم؟ وإذا كان الله أمره أن يعلن : (( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ )) فكيف يُتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلهاً مع الله يدعى ليكشف الضر؟ هذا لا يمكن. والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعلم علم اليقين أنه لو خرج لهؤلاء لكان يقاتلهم ويستبيح دماءهم وأموالهم ونساءهم ، لأنهم مشركون ، لأنهم مشركون. فعباد الرحمن لا يدعون مع الله إلهاً آخر.