تفسير قول الله عز وجل:(( إِلاَّ مَنْ تَابَ )) والكلام على التوبة وشروطها. حفظ
الشيخ : قال الله عز وجل : (( إِلاَّ مَنْ تَابَ )) تاب عن إيش؟ تاب عن أي شيء؟ عن هذه الثلاثة: الشرك. إذا تاب من الشرك غفر الله له. قتل النفس إذا تاب غفر الله له. الزنا إذا تاب غفر الله له. ودليل ذلك : قول الله عز وجل: (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا )) أي: عن كفرهم (( يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ )). كل ما سلف من الذنوب. فلو أن أحداً كان يسجد للصنم ويستغيث بالصنم ثم هداه الله فأخلص وتبرأ من الشرك. فهل يضره الشرك السابق؟ أجيبوا يا جماعة؟ لا يضره ، لأنه تاب. لو أن إنساناً قتل نفساً بغير حق ثم ندم وتاب إلى الله عز وجل فإن ذلك لا يضره ، لأنه تاب. ولكن لا بد أن يسلم نفسه لأولياء المقتول وإلا لم تصح توبته. لابد أن يسلم نفسه لأولياء المقتول ليقتلوه أو يأخذو الدية أو يعفوا عنه. لو أنه زنا والعياذ بالله، ثم ندم وتاب. هل يؤاخذ على الزنا؟ لا. لا يؤاخذ على زناه. لكن بالنسبة للمزني بها هل لها حق عليه بحيث نقول له: استحلها أو لا؟ في هذا تفصيل : إن كانت طائعة فلا حق لها. وإن كانت مكرهة فلها الحق. فعليه أن يستحلها. أي: يطلب منها أن تحلله ، لأنه اعتدى عليها، وربما تكون بكراً فأفسدها. فالأمر عظيم. نرجع إلى قوله تعالى : (( إِلاَّ مَنْ تَابَ )). فما هي التوبة؟ وما شروطها؟
التوبة : الرجوع إلى الله عز وجل من معصيته إلى طاعته. هذه التوية. وشروطها خمسة: الأول: الإخلاص لله، والثاني: الندم على ما فعل. والثالث: الإقلاع عنه. والرابع : العزم على ألا يعود. والخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة. خمسة شروط. الأول : الإخلاص لله. والثاني: الندم على ما جرى منه من الذنوب. والثالث : الإقلاع عن الذنب في الحال. والرابع : أن يعزم على ألا يعود. والخامس: أن يكون ذلك في وقت تقبل فيه التوبة. فمن تاب مراعاةً للخلق فتوبته غير مقبولة ، لأنه لم يتب إلى الله وإنما تاب إلى من؟ إلى الخلق. فلا تقبل. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ). - انتبه يا أخي! - أخلص النية لله. لو تصدقت بمائة ريال ليقول الناس: إنك كريم هل تقبل؟ لا تقبل ، لأنك أشركت مع الله. تصدق ليقول الله عز وجل : هذا عبدي تصدق تقرباً إلي. طيب.
الثاني : الندم. لابد أن يكون في قلبك حسرة على ما جرى من الذنب. لا يكن فعلك للمعصية وعدمه سواءً. لابد أن يكون في قلبك حسرة، تحسر. تقول : ليتني ما فعلت! أغواني الشيطان وما أشبه ذلك.
الثالث : الإقلاع عن الذنب. وما أثقل هذا الشرط على كثير من الناس! الإقلاع فلننظر : إنسان يترك الصلاة.كيف الإقلاع عن ترك الصلاة؟ من يعرف؟ أن يصلي. إنسان يأكل الربا كيف الإقلاع؟ أن يترك الربا. إنسان تعدى على شخص فضربه. كيف الإقلاع؟ الإقلاع لا بد أن يستحله يقول : يا فلان حللني. إنسان اغتاب شخصاً تكلم في عرضه وهو غائب. كيف الإقلاع منه؟ أن يمسك عن غيبته وأن يستحله. يقول: يا فلان حللني. وإذا جاءك أخوك المسلم يطلب منك الحل فلا ترده. حللَّه حتى يكون أجرك على من؟ على الله عز وجل. قال الله تعالى : (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )). بعض الناس والعياذ بالله تأخذه العزة بالإثم. فإذا جاءه أخوه يستحله يقول : كيف أحللك وأنت هتكت عرضي وأنت تكلمت في في المجالس وما أشبه ذلك؟ نقول : ما دام الرجل جاء يستحلك فاحتسب الأجر على الله عز وجل. ولعلك إذا حللته أن تنقلب غيبته إياك ثناءً عليك. وهذا هو الواقع. طيب. إذا كان الذنب أخذ مال من شخص، سرقة أو غصباً أو ما أشبه ذلك. فكيف الإقلاع عنه؟ أن ترد المال إليه. رد المال إليه. فإذا قال : لا أستطيع. لو ذهبت وأعطيته مثلاً : مائة ريال. لقال : أخذت مني ألفاً، ثم سوى مشكلة. نقول : إذا خفت من هذا فهناك طرق : أن تعطي المال شخصاً ثقة. وتقول يا فلان : هذا المال أخذته سرقة من شخص، من الرجل عينه. جزاك الله خيراً أده إليه وقل له : إن هذا مال قد أخذ منك في سالف الزمان. وتبرأ بهذا. إذا لم تجد ثقة فاجعله في ظرف وأرسله في البريد ولا تكتب عنواناً لنفسك. وقل : هذا من أخ لك تاب إلى الله وقد أخذه منك فحلله. إذا كنت لا تعرفه مثل أن يكون صاحب دكان أخذت منه شيئاً وسافر الرجل ولم تدر من هو ولا تعرف محله. فماذا تصنع؟ تصدق به تخلصاً منه. تصدق به تخلصاً منه ، لا تقرباً به إلى الله. لأنك لو تصدقت به تقرباً إلى الله ما قبل الله منك. لكن تصدق به لصاحبه تخلصاً منه. طيب إذا كان صاحبه كافراً وهذا يقع من بعض الناس يكون عنده عامل غير مسلم فيظلمه ولا يوفيه ويسافر العامل ولا يعرف عنه لا مكانه ولا حمولته ولا شيئاً مما يمكن أن يتوصل إليه. فإنه يتخلص من هذه الدراهم يعطيها إما بيت المال وإما شخصاً فقيراً أو ما أشبه ذلك. وهذا الرجل إن أسلم نفعه نفعته الصدقة. وإن لم يسلم لم تنفعه الصدقة ، لأن الكافر لا ينفعه أي عمل صالح. وإيش باقي عندنا؟ العزم على أن لا يعود. يعني لا بد أن تعزم على أن لا تعود. فإن تبت مخلصاً لله، نادماً على ما فعلت، مقلعاً عنه، لكن في قلبك أنه لو تيسرت لك المعصية الثانية لفعلت. فإن التوبة لا تصح ، لأن توبتك الآن توبة مؤقتة إلى أن تسنح الفرصة لك فتفعل المعصية. هذا لا ينفع. طيب هل يشترط أن لا يعود أو ليس بشرط؟ الجواب : ليس بشرط ، يعني ليس من شرط التوبة أن لا تعود. ربما يكون الإنسان عازماً على أن لا يعود ثم تغلبه نفسه الأمارة بالسوء فيعود. فإذا عاد فالتوبة السابقة لا تبطل. ولكن عليه أن يجدد توبةً للذنب الذي فعله.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة. فخرج بذلك ما إذا حضر الموت الإنسان وتاب فإنه لا يقبل منه ، لا تقبل التوبه منه ، لقول الله تبارك وتعالى: (( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ )). هذا ما ينفعه. ولذلك لما أدرك فرعونَ الغرقٌ ماذا قال؟ (( قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ )). فقيل له : (( أَالآنَ )) تؤمن وتكون من المسلمين (( وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ )). يعني : لا تقبل منه. وهذا الشرط أيها الإخوة : يستلزم أن نبادر إلى التوبة وأن لا نتأخر. لماذا؟ لماذا يا جماعة؟ لأننا لا ندري متى يأتينا الموت. كم من إنسان مات على فراشه! وكم من إنسان مات على سيارته! كم من إنسان يمشي وسقط ومات! إذا كان هكذا فبادر بالتوبة لئلا يفجأك الموت.
أما الثاني : فهو طلوع الشمس من مغربها. فإنه إذا طلعت الشمس من مغربها (( لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا )). ما في توبة. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها ). وذلك أن هذه الشمس العظيمة التي أُمرت أن تسير بانتظام تشرق من المشرق وتغرب من المغرب. إذا جاء وقت خروجها من المغرب استأذنت الله عز وجل أن تخرج من المشرق. فيقول : اخرجي من المغرب فتخرج. فإذا رآها الناس آمنوا كلهم. لكن الذين لم يؤمنوا من قبل لا ينفعهم الإيمان.
أسأل الله تعالى أن يتوب علي وعليكم توبةً نصوحاً ، وأن يوفقنا لما فيه خيرنا وصلاحنا في ديننا ودنيانا ، وأن يكتب ذلك لجميع المسلمين إنه على كل شيء قدير. وإلى الأسئلة فيما بقي من الوقت.
الطالب : جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء ونفعنا جميعا بما سمعنا.