تتمة تفسير الآيات الأواخر من سورة الفرقان وقوله تعالى: (( والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً )). حفظ
الشيخ : نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلَّ له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه. أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وترك أمته على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد - أيها الإخوة - فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم كل شهر. في ليلة الأحد الثالثة من كل شهر. وهذا الشهر هو شهر ربيع الأول عام 1420هـ.
نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه فيما سبق من تفسير آخر سورة الفرقان. ذكر الله تبارك وتعالى أوصاف عباد الرحمن وسبق الكثير منها. ومن أوصافهم : (( أنهم لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً )). (( لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ )) أي : لا يشهدون المنكر من القول والعمل ، أي : لا يحضرونه ولا يجلسون إليه ، لأن شهود الزور يحصل به إثم الزور. بمعنى أن الإنسان إذا قعد مع قوم على زور فإنه مثلهم وإن لم يعمل ، وإن لم يعمل عملهم. دليل ذلك قول الله تعالى : (( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ )). (( إِذاً )) يعني إيه؟ أجيبوا؟ يعني إذا قعدتم إذن مثلهم. (( إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً )). فهم لا يشهدون الزور. وإذا لم يشهدوا الزور، لم يعملوا به.
وإنه بهذه المناسبة يشكو كثيرٌ من الناس اليوم، يشكون حضور اجتماعات الزفاف ، لأنهم يقولون : لا يخلو كثير من ليالي الزفاف إلا وفيها منكر. فماذا نصنع؟ هل نحضر مع كرهنا لذلك أو لا نحضر؟
الجواب يا إخواننا أن نقول : إذا كان الإنسان إذا حضر استطاع أن يمنع المنكر وجب عليه أن يحضر. وجب عليه أن يحضر لسببين : أولاً : أن إجابة وليمة العرس واجبة بشروط معروفة. والثاني : أنه يستطيع إزالة المنكر. ومن استطاع أن يزيل المنكر وجب عليه أن يزيله. فإن لم يستطع فلا يحضر ، لأنه إذا حضر شاركهم في الإثم. يقول بعض الناس : إذا لم أحضر يزعل القريب ويزعل الصديق. فنقول : وليكن ذلك ، لأنك إذا أغضبته أرضيت من؟ أرضيت الله. وهل ينبغي للمؤمن أن يراعي رضا الناس دون رضا الله؟ لا والله. إن من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن التمس رضا الله بسخط الله ، كفاه الله مؤونة الناس. فلا تبالِ يا أخي. وإذا قال لك القريب : لماذا لم تحضر؟ أقول : لو اتقيت الله لحضرنا. ولا نبالي. لا نحابي أحداً في دين الله. وتقول له بصراحة : لو أنك تخليت عن هذا الأمر الذي هممت به لأجبتك. أما أن تقيم هذه الحفلة المحرمة، وتريد مني أن أحضر. فهذا لا ،لا يمكن. كذلك أيضاً يوجد أناسٌ يجلسون عند الذين يغتابون الناس. وغيبة الناس من الزور لا شك. فتجده يجلس يستمع إلى الغيبة. ويقول : إني كارهٌ لذلك. فهل هذه الدعوى صحيحة؟ لأنه لو كان كارهاً لذلك حقيقةً ما جلس. وإذا جلس مع الذين يغتابون الناس وإن لم يشاركهم في الغيبة فهو مشارك لهم في الإثم. نعم. يقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن : (( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً )). اللغو: الذي ليس بزور وليس بمشروع ومحبوب. يمرون به مر الكرام.
(( مَرُّوا كِرَاماً )) أي: بعيدين من اللغو كما يلغو هؤلاء الحاضرون. وهذا أيضاً يقع كثيراً بين الناس. تجد الناس الآن في الاستراحات ، في الدواوين ، في البيوت. تجد كثيراً من كلامهم لغواً لا فائدة فيه. هؤلاء إذا مروا باللغو مروا كراماً ، يسلمون من اللغو ويأتون بالخير والنصيحة. بعدها. اقرؤوا.