تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... إن قيل: إذا حكمتم باستحالة الإيجاد من العبد، فإذا لا فعل للعبد أصلا ؟ قيل: العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة حقيقة. قال تعالى: (( وما تفعلوا من خير يعلمه الله )). (( فلا تبتئس بما كانوا يفعلون )) وأمثال ذلك. وإذا ثبت كون العبد فاعلا، فأفعاله نوعان: نوع يكون منه من غير اقتران قدرته وإرادته، فيكون صفة له ولا يكون فعلا، كحركات المرتعش. ونوع يكون منه مقارنا لإيجاد قدرته واختياره، فيوصف بكونه صفة وفعلا وكسبا للعبد، كالحركات الاختيارية. والله تعالى هو الذي جعل العبد فاعلا مختارا، وهو الذي يقدر على ذلك وحده لا شريك له. ولهذا أنكر السلف الجبر، فإن الجبر لا يكون إلا من عاجز، فلا يكون إلا مع الإكراه، يقال: للأب ولاية إجبار البكر الصغيرة على النكاح، وليس له إجبار الثيب البالغ، أي: ليس له أن يزوجها مكرهة. والله تعالى لا يوصف بالإجبار بهذا الاعتبار، لأنه سبحانه خالق الإرادة والمراد قادر على أن يجعله مختارا بخلاف غيره. ولهذا جاء في ألفاظ الشارع:"الجبل"دون"الجبر"، كما قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: ( إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة ) ، فقال: أخلقين تخلقت بهما ؟ أم خلقين جبلت عليهما ؟ فقال:( بل خلقان جبلت عليهما ) فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى . والله تعالى إنما يعذب عبده على فعله الاختياري. والفرق بين العقاب على الفعل الاختياري وغير الاختياري مستقر في الفطر والعقول ...". حفظ