تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... والجواب عما استدلوا به من قوله تعالى: (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) قد أجاب العلماء بأجوبة: أصحها جوابان: أحدهما: أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم. يوضحه: أن الله تعالى جعل الإيمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك. الثاني: - وهو أقوى منه -: أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى. فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه. وقوله سبحانه: (( ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) - آيتان محكمتان، تقضيتان عدل الرب تعالى: فالأولى تقتضي أنه لا يعاقب أحدا بجرم غيره، ولا يؤاخذه بجريرة غيره، كما يفعله ملوك الدنيا. والثانية تقتضي أنه لا يفلح إلا بعمله، ليقطع طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلفه ومشائخه، كما عليه أصحاب الطمع الكاذب، وهو سبحانه لم يقل: لا ينتفع إلا بما سعى. وكذلك قوله تعالى: (( لها ما كسبت )) ، وقوله: (( ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون )) . على أن سياق هذه الآية يدل على أن المنفي عقوبة العبد بعمل غيره، فإنه تعالى قال: (( فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون )) . وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله» فاستدلال ساقط، فإنه لم يقل انقطع انتفاعه، وإنما أخبر نانقطاع عمله. وأما عمل غيره فهو لعامله، فإن وهبه له وصل إليه ثواب عمل العامل، لا ثواب عمله هو، وهذا كالدين يوفيه الإنسان عن غيره، فتبرأ ذمته، لكن ليس له ما وفى به الدين... " . حفظ