تعليق الشيخ على ما تقدم من قراءة القارئ : " ... فإن الله بعدما أخبر عن نفسه بعدم وجود إله معه أوضح ذلك بالبرهان القاطع والحجة الباهرة ، فقال : (( إذا )) ؛ أي : إذ لو كان معه آلهة كما يقول هؤلاء المشركون ؛ (( لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض )) . وتوضيح هذا الدليل أن يقال : إذا تعددت الآلهة ؛ فلا بد أن يكون لكل منهم خلق وفعل ، ولا سبيل إلى التعاون فيما بينهم ؛ فإن الاختلاف بينهم ضروري ، كما أن التعاون بينهم في الخلق يقتضي عجز كل منهم عند الانفراد ، والعاجز لا يصلح إلها ، فلا بد أن يستقل كل منهم بخلقه وفعله ، وحينئذ فإما أن يكونوا متكافئين في القدرة ، لا يستطيع كل منهم أن يقهر الآخرين ويغلبهم ، فيذهب كل منهم بما خلق ، ويختص بملكه ؛ كما يفعل ملوك الدنيا من انفراد كل بمملكته إذا لم يجد سبيلا لقهر الآخرين ، وإما أن يكون أحدهم أقوى من الآخرين ، فيغلبهم ، ويقهرهم ، وينفرد دونهم بالخلق والتدبير ، فلا بد إذا مع تعدد الآلهة من أحد هذين الأمرين : إما ذهاب كل بما خلق ، أو علو بعضهم على بعض . وذهاب كل بما خلق غير واقع ؛ لأنه يقتضي التنافر والانفصال بين أجزاء العالم ، مع أن المشاهدة تثبت أن العالم كله كجسم واحد مترابط الأجزاء ، متسق الأنحاء ، فلا يمكن أن يكون إلا أثرا لإله واحد . وعلو بعضهم على بعض يقتضي أن يكون الإله هو العالي وحده . ... " . حفظ