قراء من شرح الشيخ خليل هراس على الواسطية : " ... وأما ما يحاولون به صرف هذه الآيات الصريحة عن ظواهرها بالتأويلات الفاسدة التي تدل على حيرتهم واضطرابهم ؛ كتفسيرهم : (( استوى )) بـ " استولى " ، أو حملهم (( على )) على معنى " إلى " ، و (( استوى )) ؛ بمعنى : " قصد " ... إلى آخر ما نقله عنهم حامل لواء التجهم والتعطيل زاهد الكوثري ؛ فكلها تشغيب بالباطل ، وتغيير في وجه الحق لا يغني عنهم في قليل ولا كثير .
وليت شعري ! ماذا يريد هؤلاء المعطلة أن يقولوا ؟ ! أيريدون أن يقولوا : ليس في السماء رب يقصد ، ولا فوق العرش إله يعبد ؟ ! فأين يكون إذن ؟ ! ولعلهم يضحكون منا حين نسأل عنه بـ " أين " ! ونسوا أن أكمل الخلق وأعلمهم بربهم صلوات الله عليه وسلامه قد سأل عنه بـ ( أين ) حين قال للجارية : ( أين الله ؟ ) ، ورضي جوابها حين قالت : في السماء .
وقد أجاب كذلك من سأله بـ : " أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ بأنه كان في عماء . . ) الحديث .
ولم يرو عنه أنه زجر السائل ، ولا قال له : إنك غلطت في السؤال .
إن قصارى ما يقوله المتحذلق منهم في هذا الباب : إن الله تعالى كان ولا مكان ، ثم خلق المكان ، وهو الآن على ما كان قبل خلق المكان .
فماذا يعني هذا المخرف بالمكان الذي كان الله ولم يكن ؟ ! هل يعني به تلك الأمكنة الوجودية التي هي داخل محيط العالم ؟ ! فهذه أمكنة حادثة ، ونحن لا نقول بوجود الله في شيء منها ؛ إذ لا يحصره ولا يحيط به شيء من مخلوقاته .
وأما إذا أراد بها المكان العدمي الذي هو خلاء محض لا وجود فيه ؛ فهذا لا يقال : إنه لم يكن ثم خلق ؛ إذ لا يتعلق به الخلق ، فإنه أمر عدمي ، فإذا قيل : إن الله في مكان بهذا المعنى ؛ كما دلت عليه الآيات والأحاديث ؛ فأي محذور في هذا ؟ ! بل الحق أن يقال : كان الله ولم يكن شيء قبله ، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وكان عرشه على الماء ، ثم استوى على العرش ، وثم هنا للترتيب الزماني لا لمجرد العطف ... " . حفظ