قراء من شرح الشيخ خليل هراس على الواسطية : " ... قوله : (( وإن أحد من المشركين )) ... إلخ ؛ هذه الآيات الكريمة تفيد أن القرآن المتلو المسموع المكتوب بين دفتي المصحف هو كلام الله على الحقيقة ، وليس فقط عبارة أو حكاية عن كلام الله ؛ كما تقول الأشعرية .
وإضافته إلى الله عز وجل تدل على أنه صفة له قائمة به ، وليست كإضافة البيت أو الناقة ؛ فإنها إضافة معنى إلى الذات ، تدل على ثبوت المعنى لتلك الذات ؛ بخلاف إضافة البيت أو الناقة ؛ فإنها إضافة أعيان ، وهذا يرد على المعتزلة في قولهم : إنه مخلوق منفصل عن الله .
ودلت هذه الآيات أيضا على أن القرآن منزل من عند الله ، بمعنى أن الله تكلم به بصوت سمعه جبريل عليه السلام ، فنزل به ، وأداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعه من الرب جل شأنه .
وخلاصة القول في ذلك : أن القرآن العربي كلام الله ، منزل ، غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، والله تكلم به على الحقيقة ، فهو كلامه حقيقة لا كلام غيره ، وإذا قرأ الناس القرآن أو كتبوه في المصاحف لم يخرجه ذلك عن أن يكون كلام الله ؛ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا ، لا إلى من بلغه مؤديا ، والله تكلم بحروفه ومعانيه بلفظ نفسه ، ليس شيء منه كلاما لغيره ، لا لجبريل ، ولا لمحمد ، ولا لغيرهما ، والله تكلم به أيضا بصوت نفسه ، فإذا قرأه العباد قرءوه بصوت أنفسهم ، فإذا قال القارئ مثلا : (( الحمد لله رب العالمين ))؛ كان هذا الكلام المسموع منه كلام الله ، لا كلام نفسه ، وكان هو قرأه بصوت نفسه لا بصوت الله .
وكما أن القرآن كلام الله ، فكذلك هو كتابه ؛ لأنه كتبه في اللوح المحفوظ ، ولأنه مكتوب في المصاحف ؛ قال تعالى : (( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون )) ، وقال : (( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ )) ، وقال : (( في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة )) . والقرآن في الأصل مصدر كالقراءة ؛ كما في قوله تعالى : (( إن قرآن الفجر كان مشهودا )) .
ويراد به هنا أن يكون علما على هذا المنزل من عند الله ، المكتوب بين دفتي المصحف ، المتعبد بتلاوته ، المتحدى بأقصر سورة منه ... " . حفظ