تعليق الشيخ على ما تقدم من قراءة القارئ لشرح الواسطية : " ... والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تبارك وتعالى أحد الأركان الستة التي يدور عليها فلك الإيمان ؛ كما دل عليه حديث جبريل وغيره ، وكما دلت عليه الآيات الصريحة من كتاب الله عز وجل . وقد ذكر المؤلف هنا أن الإيمان بالقدر على درجتين ، وأن كلا منهما تتضمن شيئين : فالدرجة الأولى تتضمن : أولا : الإيمان بعلمه القديم المحيط بجميع الأشياء ، وأنه تعالى علم بهذا العلم القديم الموصوف به أزلا وأبدا كل ما سيعمله الخلق فيما لا يزال ، وعلم به جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال . فكل ما يوجد من أعيان وأوصاف ويقع من أفعال وأحداث فهو مطابق لما علمه الله عز وجل أزلا . ثانيا : أن الله كتب ذلك كله وسجله في اللوح المحفوظ ، فما علم الله كونه ووقوعه من مقادير الخلائق وأصناف الموجودات وما يتبع ذلك من الأحوال والأوصاف والأفعال ودقيق الأمور وجليلها قد أمر القلم بكتابته ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : ( قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء ) . وكما قال في الحديث الذي ذكره المؤلف : ( أن أول ما خلق الله القلم ؛ قال له : اكتب ، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) . و ( أول ) هنا بالنصب على الظرفية ، والعامل فيه ( قال ) ؛ أي : قال له ذلك أول ما خلقه . وقد روي بالرفع على أنه مبتدأ ، وخبره القلم ولهذا اختلف العلماء في العرش والقلم ؛ أيهما خلق أولا . وحكى العلامة ابن القيم في ذلك قولين ، واختار أن العرش مخلوق قبل القلم ، قال في " النونية " : والناس مختلفون في القلم الذي *** كتب القضاء به من الديـــــــان هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي العلا الهمداني والحق أن العرش قبل لأنــــــــــه *** وقت الكتابة كان ذا أركــــان وكتابة القلم الشريف تعقـــــــبت *** إيجاده من غير فــــصل زمان وإذا كان القلم قد جرى بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة بكل ما يقع من كائنات وأحداث ؛ فهو مطابق لما كتب فيه ، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ؛ كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وغيره . ... " . حفظ