تعليق الشيخ على قول المصنف رحمه الله تعالى : " ... والجواب : أن هذا الحديث صحيح رواه البخاري في باب التواضع الثامن والثلاثين من كتاب الرقاق . وقد أخذ السلف أهل السنة والجماعة بظاهر الحديث وأجروه على حقيقته , ولكن ما ظاهر هذا الحديث ؟ هل يقال : إن ظاهره أن الله تعالى يكون سمع الولى وبصره ويده ورجله ؟ أو يقال : إن ظاهره أن الله تعالى يسدد الولى في سمعه وبصره ويده ورجله بحيث يكون إدراكه وعمله لله وبالله وفي الله ؟ ولا ريب أن القول الأول ليس ظاهر الكلام بل ولا يقتضيه الكلام لمن تدبر الحديث فإن في الحديث ما يمنعه من وجهين : الأول : أن الله تعالى قال : ( وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ) وقال : ( ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ) فأثبت عبداً ومعبوداً ومتقرباً ومتقرباً إليه ومحباً ومحبوباً وسائلا ومسؤولاً ومعطياً ومعطى ومستعيذاً ومستعاذاً به ومعيذاً ومعاذاً , فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر , وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفا في الآخر أو جزءا من أجزائه . الوجه الثاني : أن سمع الولى وبصره ويده ورجله كلها أوصاف أو أجزاء في مخلوق حادث بعد أن لم يكن , ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي ليس قبله شيء يكون سمعاً وبصراً ويداً ورجلاً لمخلوق , بل إن هذا المعنى تشمئز منه النفس أن تتصوره ويحسر اللسان أن ينطق به ولو على سبيل الفرض والتقدير , فكيف يسوغ أن يقال إنه ظاهر الحديث القدسي وأنه قد صرف عن هذا الظاهر ؟ سبحانك اللهم وبحمدك لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك , وإذا تبين بطلان القول الأول وامتناعه تعين القول الثاني: وهو أن الله تعالى يسدد هذا الولى في سمعه وبصره وعمله بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره وعمله بيده ورجله كله لله تعالى إخلاصاً , وبالله تعالى استعانة وفي الله تعالى شرعاً واتباعاً , فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة وهذا غاية التوفيق , وهذا ما فسره به السلف وهو تفسير مطابق لظاهر اللفظ موافق لحقيقته متعين بسياقه وليس فيه تأويل ولا صرف للكلام عن ظاهره ولله الحمد والمنة ... ". حفظ