تعليق الشيخ على قول المصنف رحمه الله : " ... والجواب عن السؤال الثاني : أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة ما استحقوا به أن يكونوا أئمة قال الله تعالى : (( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )) وقال عن إبراهيم : (( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم )) . ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداء الذي ينبغي أن يكونوا عليه , وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة المرحلة الأولى - مرحلة الاعتزال : اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره ويناظر عليه ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم .
المرحلة الثانية : مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب قال شيخ الإسلام ابن تيمية ص 471 من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى لابن قاسم : "... والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة ... " اهـ . المرحلة الثالثة : مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه " الإبانة عن أصول الديانة " وهو من آخر كتبه أو آخرها . قال في مقدمته : جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد جمع فيه علم الأولين وأكمل به الفرائض والدين فهو صراط الله المستقيم وحبله المتين من تمسك به نجا ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) إلى أن قال : " فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه فنبذ كثير ممن غلبت شقوته واستحوذ عليهم الشيطان سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراء منهم على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ". ثم ذكر رحمة الله أصولاً من أصول المبتدعة وأشار إلى بطلانها ثم قال : " فإن قال قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون . قيل له : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون , وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل ". ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذكر ثبوت الصفات ومسائل في القدر والشفاعة وبعض السمعيات وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية ... " . حفظ