تفسير قول الله تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا )) حفظ
(( ومِن الناس مَن يشترى لهو الحديث )) (مِن) لِلتبعيض، والجار والمجرور خبرٌ مُقدَّم، و(مَن يشتري) مُبتدأ مُؤخَّر، وقوله: (مَن يشتري) معنى الاشتراء الاختيار يعني مَن يختارُ، وعبَّر عن الاختيار بالاشتراء إشارةً إلى حِرصِهم على هذا الأمر، لأن الاشتراء كما تعلمون إنَّما يكون بالمعاوضة فكأنَّهم لقُوَّةِ اختيارِهم هذا الشيء كأنهم بذلوا فيه أموالَهم لِينالُوه، إذاً (يشتري) معناها يختار، وعبَّر عن الاختيار بالاشتراء إشارةً إلى قُوة رغبتِهم له حيث شَبَّه ذلك الاختيار بالمُشتَرِي الذي يَبْذُلُ مالَه مِن أجل الحُصولِ على ما اختارَه، نعم، وقوله: (( ومِن الناس مَن يشتري لهو الحديث )) هنا (يشتري) و(يشري) مو بينهم الفرق؟ (يشري) بمعنى؟
الطالب: يبيع.
الشيخ : يبيع، و(يشتري) بمعنى يشتري؟
الطالب: يبتاع.
الشيخ : (يشتري): يبتاع، طيب زِين يبتاع، وعند الناس أنَّ الشراء هُو الاشتراء وليس كذلك قال الله تعالى: (( ومِن الناس مَن يشري نفسه ابتغاء مرضات الله )) (يشري نفسه) يعني؟
الطالب: يبيعها.
الشيخ : بدليل قوله تعالى: (( إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم )) (اشترى أنفسَهم) فهم بائعون نعم، وأظن الوقت..
(( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ))[لقمان:6] تقدم الكلام على أوَّل الآية، وقُلنا إنَّ (مِن) للتبعيض، وأنَّ معنى الشراء الاختيار، وعُبِّرَ عنْه عنِ الاختيار بالاشتراء لِلدلالة على قُوَّة إرادته فِي ذلك، وقولُه: (( لهوَ الحديث )) أي ما يُلهِي مِنْهُ عمَّا يعنِي(لهو) مُضافَة إلى الحديث من بابِ إضافةِ الشيءِ إلى نوعِه، فالإضافة على تقدير (مِن) كما يُقال: ثوبُ خزٍّ ثوبُ صوفٍ خاتمُ حديد خاتمُ فضة وما أشبه ذلِك، فهي على تقدير (مِن)، وهكذا كل ما أُضيفَ الشيءُ إلى نَوْعِه فالإضافة تكون فِيه على تقدير (مِن)، إذاً (لهو الحديث) أي: لهواً مِن الحديث، واللهوُ كل ما يُلهَى بِه، والذي يُلهَى به أغلبُ ما يكون في الشيءِ الباطل، وقد يُلهَى بالخير عنِ الشر لكن أكثر ما يُطلَق اللهو في مقامِ الذمّ، وكل لهو يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا مُدَاعبة أهله وترويض فرسِه وما أشبه ذلك مما يكون به مصلحة، وإلا فإنَّ الأصل أنّ ما يُلهَى به باطل والذي يُلهَى به نَوْعان: حديث وهو القول، والثاني: فعل يعني تلهو، فالذي يُلهى به إمَّا حديثٌ وهو القول، وإمَّا حركاتٌ وهي الفعل، فالله عز وجل ذَكَر هُنا لَهْوَ الحديث فقال: (( ومِن الناس مَن يشتري لهو الحديث )) قال:" أي ما يُلهى به عما يعني " كل ما يُلهَى به عما يعني فهو مِن لهو الحديث، وعمَّا ما يعني الإنسان ولكن يلهو بالمفضول عن الفاضل فليس هذا مِن لهو الحديث، لأنَّ له فائدةً في اللهو بالمفضول لكنَّها فائدة ناقصة، ولا شك أنَّ الأقوال مَراتِب كما أنَّ الأفعال مَراتِب، فلَو تَلَهَّى الإنسان بحديث فيه فائدة عَن حديثٍ أفيدَ منه هل نقول: إن هذا لهو الحديث؟ نقول: إن هذا مِن لهو الحديث ولَّا لا؟ لا، لأنَّ فيه فائدة ليس مجرد لَهوٍ يلْهُو به الإنسان، وإذا كان فيه فائدة فإننا نقول لهذا الرجل: إن اختيارَك للمفضول عنِ الفاضل يُعتبرُ سُوءَ تَصُرُّفٍ مِنك، والذي ينبغي: أن تلهوَ بِالأفضل عن المفضول قالوا: لهو الحديث عما يعنيه.
"
(( لِيَضِلَّ )) بفتح الياء وضمها " وأما الضاد فهي مكسورة على القراءتين (( لِيَضِلَّ )) أي: هو، (( لِيُضِلَّ )) أي غيرَه لِيُضِلَّ غيرَه، نعم، وفائدةُ القراءتين هُنا: اشتمالُ الآية أو اشتمال هذه الكلمة على المعنيَيْن وما هُمَا؟ الضلال بنفسه وإضلال غيره، نعم، وقوله: "(( ليُضِلَّ عن سبيل الله )) (سبيل الله) طريق الإسلام" والصواب أن يُقال: طريق الله وهو الإسلام هذا الصواب، سبيلُ الله: طريقُه المُوصِلُ إليه والذي وَضَعَه هو سبحانه وتعالى وهو الإسلام، فسُمِّيَ طريقَ الله أو سبيلَ الله، لأنه مُوصِلٌ إليه ولأنَّه سُبحانَه هو الذي وضعَه وشرعَه لعبادِه، ويُطلَقُ على سبيلِ المؤمنين كما قال تعالى: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ))[النساء:115] ولا تنافيَ بينَ الإضافتين فهو مُضافٌ إلى الله، لأنَّه؟
الطالب: موصل إليه.
الشيخ : مُوصِلٌ إليه وهو الذي وضعَه وشرعَه، ومُضافٌ إلى المؤمنين، لأنهم هم الذين يَسلكُونَه، ومِثلُه الصراط أُضِيفَ إلى السالكين في قوله: (( صراط الذين أنعمت عليهم )) وَأُضيف إلى الله، لأنَّه الذي شرعه ووضعه لِعبادِه (( وأنَّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه )) (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله )) نعم.
(( لِيَضِلَّ عن سبيل الله بغير علم )) قوله: (( بغير علم )) هذا لا يعني أنَّ هناك لهواً يَضِلُّ به الإنسان بِعلم، فهي إذاً صفةٌ كاشفة مُبَيِّنَةٌ لِحقيقة الأمر أي: أنَّ فعلَه هذا ناشئٌ عنِ الجهل بالله عزَّ وجل وعن الجهل بشرعِه وعن الجهل بحقيقة ما خُلِقَ له، كيف تَتَلَهَّى بأمرٍ لا تستفيدُ منه هل هذا جهل ولَّا علم؟ هذا جهلٌ بما ينبغي أن تعلمَه لِتعتبرَ به، ولم يُمَثِّل المؤلف رحمه الله نعم، إي لا يذكره فيما بعد التمثيل، لكنَّ كثيراً مِن المفسرين قال: إن المراد بلهو الحديث هو الغناء، ومِمن قال بذلك ابن مسعود t وكذلك ابنُ عباس وجماعة، حتى إنَّ ابنَ مسعود يحلف ويقول: ( والله الذي لا إله إلا هو إنَّه الغناء ) والغِناء ينبت النفاق في القلب وتفسيرُ الصحابي حُجَّة حتَّى ذهب الحاكم وجماعةٌ مِن أهل العلم إلى أنَّ تفسير الصحابي له حُكْم الرفع يعني يكون كالحديث المرفوع، والصحيح أنَّ الأمر ليس كذلك لأنَّه ليس له حكم الرفع إلا أن يكون مِما لا مجالَ للاجتهاد فيه، لأنَّه مُجَرَّدُ تفسير آية بمقتضى اللغة العربية فإنَّ الصحيح أنَّ تفسِير الصحابي ليس له حكم الرفع لكِنَّه مُقَدَّمٌ على غيرِه، ثمَّ اعلمْ أنَّ المفسرين مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم قد يذكرون تفسيرَ الآية على سبيلِ المثال لا على سبيلِ الحصر فإذا قال ابن مسعود: إنَّ المراد بلهو الحديث الغناء لا يعني أنه لا يتناول غيرَه، إذ يكونُ هذا على سبيل التمثيل فقط ويَدُلُّكَ لِهذا قوله تعالى: (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ {سَكِّر .. يا غانم اللي ما له .. } وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ))[فاطر:32] قال بعض العلماء التفسير: الظالمُ لنفسه هو الذي يُؤَخِّرُ الصلاةَ عن وقتِها، وقال آخرون: هو الذي لا يُزَكِّي، (ومنهم مقتصد) والمقتصد هو الذي يأتي بالصلاة في آخرِ وقتها، وقال آخرون: هو الذي يؤدي الزكاةَ المفروضة فقط، (ومِنهم سابق بالخيرات) قال بعضهم: هو الذي يُصلي الصلاة في أول وقتها، وقال آخرون: هو الذي يُؤَدِّي الزكاة والصدقات. هذا ايش يَدُلّ عليه؟ على أنَّ العلماء قد يُفَسِّرون الآية ببعض الأمثلة نعم، فلا ينافي أن تكون الآية مُتناولَةً لغيرِها، فتفسير ابن مسعود وابن عباس وغيرِهما لِلهو الحديث بأنَّه الغناء لا يعني أنه يمتِنع أن يُرَاد بالآية ما هو أعمّ، وعلى هذا فنقول: الآية تشمل كُل لهوِ حديثٍ لا نفعَ فيه مِن الغناء ومِنه أيضا مُطَالعة ما يُكتَب في الصحف والمجلات مِن الكلام الهراء الذي لا فائدةَ مِنه فإنَّه في الحقيقة مَضيَعَة للوقت، وإذا كان يَشُدُّ الإنسان إلى ما هو أَبْطَل صار أَشَدّ، نعم، وعلى كل حال نقول: لهو الحديث: كُلُّ حديثٍ لا فائدةَ منه سواءٌ كان ذلك يَجُرُّ إلى محرم أو لا يَجُرُّ إلى مُحَرَّم، لكن إن جَرَّ إلى محرم صارَ أعظم، فإذا قال قائل: الآية يقول الله فيها: (( لِيَضِلَّ عن سبيل الله )) أو (( لِيَضِلَّ عن سبيل الله )) وأنت قلت: إنَّ لهو الحديث كُلُّ ما لا نفعَ فيه، وما لا نفعَ فيه قد يَضِلّ وقد لا يَضِلّ. فإنَّما أقول: إنَّ الإنسان إذا عَوَّدَ نفسَه على أن يشتغل بهذا اللهو الذي لا نفعَ فيه جَرَّتْهُ إلى ما فيه مَضَرَّة، لأنَّ النفس إمَّا أن تشغلَها بالحق أو تَشْغَلك بالباطل، واللام في قوله: (( لِيَضِلَّ عن سبيل الله )) أو (( لِيُضِلّ )) هل هي لِلتعليل أو لِلعاقبة؟ الجواب: هيَ صالحة للأمرين فإن كان الإنسان يَقْصِد بِلهو الحديث أن يُضِلَّ غيرَه بِه فاللام للتعليل، وإن كان لا يقصد ذلك فاللام للعاقبة، ونريد مِن الأخ عبد الرحيم يأتِي بمثال للام العاقبة لا إشكالَ فيه؟ عندَك؟
الطالب:..(( لِيكون لهم عَدُوًّا وحَزناً ))
الشيخ : وش أولها؟
الطالب: القصص (( فالتقطه آل فرعون )).
الشيخ : (( فالتقطه آل فرعون ليكونَ لهم عَدُوًّا وحَزَناً )) فاللام هنا لا شكَّ أنها للعاقبة، لأنَّهم ما أرادوا أن يكون لهم عَدُوًّا وحزناً، نعم، إنما أرادوا العكس لكنَّ العاقبة صارتْ كذلك.