تفسير قول الله تعالى : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم )) حفظ
يقول: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ))[لقمان:8] وهذه طريقة القرآن إذا ذَكَر آياتِ الوعيد وصفاتِ مَن يستحِقُّون ذلك الوعيد ذَكَر بعدها آياتِ الوعْد وصفات مَن يستحق ذلك الوعد فقال: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) والإيمان محَلُّه القلب، يعني آمنوا بما يَجِب الإيمان بِه، وهو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( أن تؤمن بالله وملائكتِه وكتبِه ورسولِه واليومِ الآخر والقدرِ خيره وشره ) (وعملوا الصالحات) يعني الأعمالَ الصالحات، والعمل الصالح ما هو؟ العمل الصالح كُلُّ ما جمع بين شرطين: الإخلاص لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهل يدخل في ذلك الترْك؟ الترك ولّا لا؟ طيب الذي لا يـ.. هل نقول أنه عَمِل؟
الطالب: ... ترك.
الشيخ : الترك في الحقيقة مُجرد الترك ليس بعمل، لكن إذا اقترَن به نِيَّة صار عملاً، لأنَّه إذا اقترنَت به النِية صار كفًّا للنفْس والكَفُّ عمل ولهذا جاء في الحديث ( من هَم بسيئة فلم يعملها كُتبت حسنةً كاملة ) لكنَّه ذكر علتان فقال: ( إنه ترَكها مِن جَرَّائِي ) أي مِن أجْلِي، وهذا هو الفصل في الخلاف هل الترك فِعْل وعَمَل أم لا؟ نقول: الترك ليس بفعل ولا عمَل إلا إذا اقترن به نية فإنّه إذا اقترن به نية صار وش صار؟
الطالب: عملاً.
الشيخ : .. صار عمل لكن ما هذا؟ صار فيه كفٌّ لِلنفس وحينئذ يكون بهذا الاعتبار عملاً، طيب.
وقوله: (( وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم )) (لهم) خبر مُقَدم و(جنات النعيم) مبتدأ مؤخر والجملة مِن المبتدأ والخبر في محل رفع خبر (إنَّ)، وقوله (جنات) جَمْعُ جَنَّة، وجُمِعت باعتبار أنواعِها، نعم، وكذلك باعتبار مراتِبِها تُجْمَع، وقوله: (جنات) جمع جنة ما هي الجنة؟ الجنَّة في اللغة هي البستان الكثيرُ الأشجار في اللغة، سُمِّيت بذلك لأنها تُجِنُّ مَن كان فيها أي تستره وتُغَطِّيه فلِهذا سُمِّيَت جنة، أمَّا الجنة التي وُعِد المتقون فإنَّها الدار التي أعَدَّها الله لأوليائه فيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت ولا خَطَر على قلبِ بَشَر، فينبغي أن تُعَرَّف الجنة التي وُعِدَ المتقون بِهذا، ما يُقال الجنة هي الحائط الكبير البُستان، لأنَّك إذا قُلْت هذا في تعريف الجنة التي وُعِد المتقون هل تشعر بأنَّ لها مِن المقام والعظمة ما كُنتَ تَخَيَّلُه مِن قَبْل؟ لا، ولكنَّك تقول هي دار النعيم التي أعَدَّها الله لِلمُتَّقين فِيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمِعَت ولا خَطَرَ على قلبِ بشر.
وقوله: (( جنات النعيم )) (النَعِيم) كلمة جامعة تشمل سُرورَ القلب وتَرفَ البَدَن، فالإنسان مُنَعَّمٌ فيها في ظاهرِه وباطنِه، في الدنيا ما يمكن يجتَمِع الأمرين، الغالب أن من تنعم بدنُه فإنَّ قلبَه يغتم في حُزْن وأَذى، نعم، ومِن الناس من يُجْمَعُ لَه بين الأمرين -والعياذ بالله- أما أهل الجنة فإنَّهم جَمَع الله لهم بين سُرُورِ القلب وبين ترف البدن والله أعلم، نعم.
الطالب: ...
الشيخ : لا، بَيَّنَّاهُ في ما سَبَق بيانٌ لحاله.
((لهم جنات النعيم ))