تفسير قول الله تعالى : (( خالدين فيها وعد الله حقا )) حفظ
((* خالدين فيها )) (خالدين فيها) حالٌ مُقَدرة، اعلم أن الحال تنقسم إلى قسمين: حال مُقَرَّرة بمعنى أن صاحبَها مُتَلَبِّسٌ بها الآن، وحالُ مُقَدَّرَة بمعنى أنَّها ستكون لصاحبها، فهنا (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم )) هذا وَعْد وليس خبراً، لأنْ ما قال: يدخلون جنات النعيم بل وعَدَهم بأنَّ لهم جنات النعيم، ثم قال: (خالدين فيها) فهل هم خالدين فيها حالَ وَعدِهم بها؟ أو بعد أن يُبْعَثُوا؟ بعد أن يبعثوا، ولهذا قال: حالٌ مُقدرة " أي مُقَدَّراً خُلودُهم فيها إذا دخلوها، أما الآن فليسوا خالدين فِيها، لأنهم إلى الآن ما بَعد بُعِثوا ولا وصلوا إليها، وعليه فنقول: إنها حالٌ مقدرة، يعني لا إنَّ صاحبها مُتَلَبِّسٌ بها الآن، وقوله (خالدين) الخُلود هو المُكْث إمَّا الدائم وإمَّا الطويل يعني أنَّه قد يكون مُكْثاً دائماً وقد يكون مكثاً طويلاً فإذا أُكِّدَ بالتأبيد وقيل: (أبداً) فهو قطعاً لِلمكث الدائم، لأنَّه أُكِّد به.
وقوله: (( لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا )) عندنا الآن مصدران (وعْدَ الله) والوعْد هو مثل العهد أنَّ الواعِد يتعهَّد لِلموعود بما وعَدَه به، ويُقال: وعْدٌ ووَعِيد، فالوعد فيما يَسُرّ، والوعيد فيما يَسُوء، وقوله: (وعد الله) مصدر عامله محذوف أي: وُعِدُوا وعدَ الله أو وَعَدَهُم الله وَعْدَ الله، وأما قوله: (حقا) فهي أيضاً مصدر ولكنَّ عاملها أيضاً محذوف التقدير: يُحِقُّه حَقًّا أو حَقَّهُ حَقًّا، فعليه يكون الله تعالى أكَّد هذه الجملة الخبرية أكدَّها بمؤكِّدَين معنَويَّيْن أحدُهما أنها وعْد الله ووعْدُ الله عز وجل لا يُخْلَف، لأنَّه لا يُخلِف الميعاد لِتمام صدقِه وقُدرتِه، والإخلافُ للوعد إنما يأتي مِن أمرين: إمَّا أن يكون الواعِدُ كاذباً فليس محَلًّا للصدق، وإما أن يكونَ صادقاً لكن يعجز عن الوفاء بما وَعَد، والله عز وجل قد انتفى في حقِّه الأمران فهو مُنَزَّهٌ عن الكذب، ومُنَزَّهٌ عن العجْز، إذا كان مُنزهاً عن الكذب وعن العجز لزِم أن يكون كامل القُدْرة وحينئذ يتحقَّقُ ما وَعَدَ به، نعم، وأمَّا المؤكد الثاني فهو قوله: (حقاً) يعني يُؤكِّدُهُ تأكيداً ويُحِقُّهُ حقاً وهذا مِن زيادة التوكيد في الوعْد (( وعْد الله حقا ))