تفسير قول الله تعالى : (( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين )) حفظ
(( قال هذا خلقُ الله )) المُشَار إليه ما سبق وهي خَلْقُ السماواتِ بغيرِ عَمَد، وإلقاء الرواسي في الأرض، وبثُّ الدابة، (وبث فيها مِن كل دابة) والإِنزال الماء مِن السَّمَاء، والإنبات فيها مِن كُلِّ زوج كريم هذه خمسة أشياء مُشاهَدَة محسوسة ولهذا أشار إليها بالإشارة الحِسِّية فقال: " (( هذا خلقُ الله )) أي مَخْلُوقُه " فهو مِن باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، وليس المُراد به خلقُ الله الذي هو فعلُه، فإنَ فعلَه لا يُشاهَد وأنَّ المشاهد مفعولُه.
(( هذا خلقُ الله )) أي مخلوقُه (( فأروني )) قال: " أخبروني يا أهل مَكَّة (( ماذا خلق الذين من دونه )) " قوله: (فأروني) فسَّر الرؤية هنا بالإخبار الإراءة بالإخبار، ولكن الأوْلَى إبقائُها على ظاهرها أنَّ المراد بالإرَاءَة يعني: أبصرون أروني شيئا خَلَقَه أحدٌ سوى اللهِ عز وجل، وقوله: (أروني ماذا خلق الذين مِن دونه) أبلغ مِن تفسير المؤلف بقوله: " أخبروني "، لأنَّ التَّحَدِّي فيها ظاهر إذْ مِن المُمْكِن أن يُخْبِرُوه بأمرٍ وهم كاذبون، فيقولون: نعم إنْ في كذا وكذا خلقَهُ كذا وكذا. لكن إذا قال: أروني. بِالتحدي بما يُرَى فحِينَئَذٍ يُبْهَتُون، وقوله: (أروني) قال: " يا أهل مكة " بناءً على أنَّ كُلَّ خطاب في سورةٍ مَكِّيَّة يتعلق بالكفار فالمُراد به أهلُ مكة، والصواب أنَّه عام حتى يمكن الآن أن نقول بهذا التحدي في عصرِنا الحاضر، والأمر هنا في قوله: (أروني) الأمر لِماذا؟ لأي شيء؟ لِلتعجيز والتهديد.
(( ماذا خلق الذين مِن دونه )) غيرِه أي: آلهتكم حتى أشركْتُموها به تعالى " يعني أروني ماذا خلقوا فإذا أريتموني أنَّها خَلَقَت شيئاً فإنَّه قد يكون عُذْراً لكم في تَشْرِيكِها مع الله تعالى في العبادة، أمَّا والأمر ليس كذلك ولا يُمكن أن يُوجَد خَالِقٌ سوى الربِّ عز وجل فإنه لا يجوز أن يُعْبَد معه غيرُه، لأنَّه إذا أقررتم بأن لا خالقَ إلا الله يجب أن تُقِرُّوا بأنَّه لا معبود إلا الله، وأنه كما أقررتم بالربوبية يَجِب أن تُقِرُّوا بِالأُلُوهِيَّة، وقوله: (( ماذا خلق ))؟ نقول: "(ما) استفهامُ إنْكَار مُبتدَأ، و(ذا) بمعنى (الذي) بِصِلتِه خَبَرُه، و(أروني) مُعَلَّقٌ عنَ العَمَل، وما بعده سَدَّ مَسَدَّ المفعولَيْن "، قوله: (( ماذا خلق الذين مِن دونه )) أعربَه المؤلف إعراباً صحيحاً (ماذا خلق) نقول: (ما) اسم استفهام و(ذا) اسم موصول مَبنيٌّ على السكون في محل رفع، و(خلق) فعلٌ ماضي والجملة صلة الموصول لا مَحَلَّ لها مِن الإعراب، والعائد محذوف، والتقدير: ماذا خلقَهُ الذين مِن دونه، والجملة (ماذا خلق الذين من دونه) جملة استفهام مُعَلِّقَة عَنِ العَمَل عن عمل ايش؟ (أروني)، وقوله: " وما بعده سدَّ مَسَدَّ المفعولين " هذا إذا قلنا: إنَّ الرؤيا بمعنى العلم، أما إذا قلنا أن الرؤيا بمعنى رُؤيَة البصر فإنَّ ما بعده سد مسد مفعولٍ واحد فَقَط، هذا الإعراب الذي ذكره المؤلف هل في كلام ابن مالك ما يدل عليه في الألفية؟
الطالب:...
الشيخ : ... أعربَها على أنها غير مُلغَاة، وهل يجوز إلغاؤها؟ الجواب: نعم يجوز بل قد يُقَال: إن إلغائَها أولى لأنك إذا ألغيتَها جعلت (ماذا) مفعول مقدم لِـ(خلق) وحينئذ يكون ما نحتاج إلى هذا، والأصل عدمُ الحذف وقد سبق لكم أنَّ إلغائها لَه وجهان: إما أن تكون (ما) اسم استفهام و(ذا) زائدة، أو تقول: (ماذا) جميعاً اسم استفهام، وقوله تعالى: (( فأروني ماذا خلق الذين من دونه )) أي مِن سوى الله عز وجل، وهذا التحَدِّي وكل تَحَدٍّ في القرآن لا يمكن أن يكون مَوجوداً، لأنَّه لو كان الشيء مُمكناً لكان التحدي لَغواً لا فائدة فِيه قال الله عز وجل: (( بل )) قال المؤلف: " للانتقال (( الظالمون في ضلالٍ مُبِين )) بَيِّنٌ بإشراكِهم وأنتم مِنْهم " يعني معناه الأمر واضح، وأنَّه لا خالق إلا الله، وأنه لا يمكن أن يوجد أحد يَخلُق، ولكن استمرار المشركين في شركهم يُعتبَرُ ظُلماً وضلالاً مُبِيناً ولهذا قال: (( بل الظالمون )) أي المشركون الذين أشركوا مع الله في العبادة مع أنَّهم مؤمنون بأنَّه لا شريكَ له في الخلق (( في ضلال مبين )) قال المؤلف: " بَيِّن " وكلمة (مُبِين) تأتي بمعنى (بَيِّن) أي ظاهر، وبمعنى مُظْهِر، لأنها مُشتقة من (أَبَان) الرُّباعِي، و(أَبَان) الرباعي يأتي مُتَعَدِّياً ويأتي لازماً، فيأتي (أَبَان) بمعنى (بَان) أي ظَهَر وحينئذٍ يكون لازماً، ويأتي بمعنى (أظهر) أبان الشيء أظهرَه وحينَئِذٍ يكون مُتعدِّياً، في هذه الآية (( بل الظالمون في ضلال مبين )) مِن اللازِم ولا مِن المعتدي؟ مِن اللازم ولهذا فسَّرها بقوله: " بَيِّن " نُريد مثالاً لها مِن المتعدي.
الطالب:....
الشيخ : ... متعين بعد
الطالب: من القرآن الكريم : (( تلك آيات الكتاب المبين )) ... البَيِّن بنفسِه المُبِين لِلحَقّ.
الشيخ : أي نعم ومِثْلُه (( بلِسَانٍ عربي مبين )) أي مُظْهِر، فالحاصل أنَّ (مُبِين) لا تظنُّوا أنها دائماً مُتَعدِّيَة قد تكون لازمةً بمعنى (بَيِّن) وقد تكون مُتعدِّيَة بمعنى مُظْهِر
(( هذا خلقُ الله )) أي مخلوقُه (( فأروني )) قال: " أخبروني يا أهل مَكَّة (( ماذا خلق الذين من دونه )) " قوله: (فأروني) فسَّر الرؤية هنا بالإخبار الإراءة بالإخبار، ولكن الأوْلَى إبقائُها على ظاهرها أنَّ المراد بالإرَاءَة يعني: أبصرون أروني شيئا خَلَقَه أحدٌ سوى اللهِ عز وجل، وقوله: (أروني ماذا خلق الذين مِن دونه) أبلغ مِن تفسير المؤلف بقوله: " أخبروني "، لأنَّ التَّحَدِّي فيها ظاهر إذْ مِن المُمْكِن أن يُخْبِرُوه بأمرٍ وهم كاذبون، فيقولون: نعم إنْ في كذا وكذا خلقَهُ كذا وكذا. لكن إذا قال: أروني. بِالتحدي بما يُرَى فحِينَئَذٍ يُبْهَتُون، وقوله: (أروني) قال: " يا أهل مكة " بناءً على أنَّ كُلَّ خطاب في سورةٍ مَكِّيَّة يتعلق بالكفار فالمُراد به أهلُ مكة، والصواب أنَّه عام حتى يمكن الآن أن نقول بهذا التحدي في عصرِنا الحاضر، والأمر هنا في قوله: (أروني) الأمر لِماذا؟ لأي شيء؟ لِلتعجيز والتهديد.
(( ماذا خلق الذين مِن دونه )) غيرِه أي: آلهتكم حتى أشركْتُموها به تعالى " يعني أروني ماذا خلقوا فإذا أريتموني أنَّها خَلَقَت شيئاً فإنَّه قد يكون عُذْراً لكم في تَشْرِيكِها مع الله تعالى في العبادة، أمَّا والأمر ليس كذلك ولا يُمكن أن يُوجَد خَالِقٌ سوى الربِّ عز وجل فإنه لا يجوز أن يُعْبَد معه غيرُه، لأنَّه إذا أقررتم بأن لا خالقَ إلا الله يجب أن تُقِرُّوا بأنَّه لا معبود إلا الله، وأنه كما أقررتم بالربوبية يَجِب أن تُقِرُّوا بِالأُلُوهِيَّة، وقوله: (( ماذا خلق ))؟ نقول: "(ما) استفهامُ إنْكَار مُبتدَأ، و(ذا) بمعنى (الذي) بِصِلتِه خَبَرُه، و(أروني) مُعَلَّقٌ عنَ العَمَل، وما بعده سَدَّ مَسَدَّ المفعولَيْن "، قوله: (( ماذا خلق الذين مِن دونه )) أعربَه المؤلف إعراباً صحيحاً (ماذا خلق) نقول: (ما) اسم استفهام و(ذا) اسم موصول مَبنيٌّ على السكون في محل رفع، و(خلق) فعلٌ ماضي والجملة صلة الموصول لا مَحَلَّ لها مِن الإعراب، والعائد محذوف، والتقدير: ماذا خلقَهُ الذين مِن دونه، والجملة (ماذا خلق الذين من دونه) جملة استفهام مُعَلِّقَة عَنِ العَمَل عن عمل ايش؟ (أروني)، وقوله: " وما بعده سدَّ مَسَدَّ المفعولين " هذا إذا قلنا: إنَّ الرؤيا بمعنى العلم، أما إذا قلنا أن الرؤيا بمعنى رُؤيَة البصر فإنَّ ما بعده سد مسد مفعولٍ واحد فَقَط، هذا الإعراب الذي ذكره المؤلف هل في كلام ابن مالك ما يدل عليه في الألفية؟
الطالب:...
الشيخ : ... أعربَها على أنها غير مُلغَاة، وهل يجوز إلغاؤها؟ الجواب: نعم يجوز بل قد يُقَال: إن إلغائَها أولى لأنك إذا ألغيتَها جعلت (ماذا) مفعول مقدم لِـ(خلق) وحينئذ يكون ما نحتاج إلى هذا، والأصل عدمُ الحذف وقد سبق لكم أنَّ إلغائها لَه وجهان: إما أن تكون (ما) اسم استفهام و(ذا) زائدة، أو تقول: (ماذا) جميعاً اسم استفهام، وقوله تعالى: (( فأروني ماذا خلق الذين من دونه )) أي مِن سوى الله عز وجل، وهذا التحَدِّي وكل تَحَدٍّ في القرآن لا يمكن أن يكون مَوجوداً، لأنَّه لو كان الشيء مُمكناً لكان التحدي لَغواً لا فائدة فِيه قال الله عز وجل: (( بل )) قال المؤلف: " للانتقال (( الظالمون في ضلالٍ مُبِين )) بَيِّنٌ بإشراكِهم وأنتم مِنْهم " يعني معناه الأمر واضح، وأنَّه لا خالق إلا الله، وأنه لا يمكن أن يوجد أحد يَخلُق، ولكن استمرار المشركين في شركهم يُعتبَرُ ظُلماً وضلالاً مُبِيناً ولهذا قال: (( بل الظالمون )) أي المشركون الذين أشركوا مع الله في العبادة مع أنَّهم مؤمنون بأنَّه لا شريكَ له في الخلق (( في ضلال مبين )) قال المؤلف: " بَيِّن " وكلمة (مُبِين) تأتي بمعنى (بَيِّن) أي ظاهر، وبمعنى مُظْهِر، لأنها مُشتقة من (أَبَان) الرُّباعِي، و(أَبَان) الرباعي يأتي مُتَعَدِّياً ويأتي لازماً، فيأتي (أَبَان) بمعنى (بَان) أي ظَهَر وحينئذٍ يكون لازماً، ويأتي بمعنى (أظهر) أبان الشيء أظهرَه وحينَئِذٍ يكون مُتعدِّياً، في هذه الآية (( بل الظالمون في ضلال مبين )) مِن اللازِم ولا مِن المعتدي؟ مِن اللازم ولهذا فسَّرها بقوله: " بَيِّن " نُريد مثالاً لها مِن المتعدي.
الطالب:....
الشيخ : ... متعين بعد
الطالب: من القرآن الكريم : (( تلك آيات الكتاب المبين )) ... البَيِّن بنفسِه المُبِين لِلحَقّ.
الشيخ : أي نعم ومِثْلُه (( بلِسَانٍ عربي مبين )) أي مُظْهِر، فالحاصل أنَّ (مُبِين) لا تظنُّوا أنها دائماً مُتَعدِّيَة قد تكون لازمةً بمعنى (بَيِّن) وقد تكون مُتعدِّيَة بمعنى مُظْهِر