تفسير قول الله تعالى : (( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )) حفظ
قال (( وَ )) اذْكُرْ (( إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ )) تَصْغِيرُ إِشْفَاق (( لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ )) بالله (( لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) فرجع إليه وأَسْلَم " قوله: (واذكر إذ قال) أفادنا المؤلف أنَّ (إذ) مفعولٌ لِفعل مَحذوف، أو ظَرف مُتَعَلِّق بفعل محذوف يعني اذكُرْ هذا الوقت الذي قالَ فيه لُقمانُ لابنِه إلى آخرِه، وقوله: (إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه) جملة (وهو يعظه) حاليَّة حالٌ مِن فاعل (قال) وهو لقمان يعني والحال أنه يَعِظ فيه ابنَه، والموعظة هي التذْكِير المقرُون بالتخويفِ أو الترْغِيب، قال له: (يا بُنَيَّ) قال المؤلف: إنه تصْغِير إشفَاق وهو كذلك وليس تصغِيرَ احْتِقَار، لأنَّ المقَام لا يقتضيه ولكنَّه تصغِير إشفاقٍ عليه، (( يا بُنَي لا تشرك بالله )) هذا مفعولُ القول في قوله: (وإذ قال)، (لا تشركْ بالله) أي لا تجعلْ معه شريكاً فِي مَاذا؟ في العبادة وفي الخلْق والتقْدِير وفي أسمائِه وصفاتِه، لأن التوحيد -كما هو معروف عند أهل العلم- ينقسِم إلى ثلاثةِ أقسام: توحيدُ الرُبُوبِيَّة وتوحيدُ الأُلُوهِيَّة وتوحِيدُ الأسْمَاءِ والصِّفَات، فالشرك بالله أن يُشرِكَ بالله تعالى في أحدِ هذه الأقسام، فمَن اعتقد أنَّ معَ الله خالقاً فهو مُشْرِك في الربوبية، ومَنِ اعتقدَ أنَّ معَ الله مَن يَسْتَحِقُّ أن يُعْبَد فهو شِرك ألوهية، ومَن اعتقد أن لِله مُنازِعاً في أسمائِه وصِفاتِه فهو مِن باب الشِّرك في الأسماءِ والصفات، قال: (لا تُشركْ بالله إنَّ الشركَ) بالله (لَظلمٌ عَظيمٌ) " أكَّد لقمان كون الشرك ظُلماً بِمؤكِّدَيْن وهما (إنَّ) واللام، وقوله: (إنَّ الشرك لَظلمٌ عظيم) الجملة تعليلٌ لِما قبلَها وهو قوله: (لا تشرك بالله) فجمَعَ له لُقمان بَيْن الحُكْم والحِكْمَة، نهاه عن الشرك وبَيَّنَ أنه ظُلم عظيم، والظُّلم في الأصْل النَّقْص ومِنه قوله تعالى: (( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ))[الكهف:33] أي لم تَنْقُص، وأمَّا في الشَّرْع فإنَّ الظُّلم هو نَقْص كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وعلى هذا فالشِّرك نقصٌ في حقِّ الله عز وجل، وقولُه: (لظلم عظيم) هذا مِن باب تعظِيم الشرك والحَذَرِ مِنه ... [انقطاع] أعْظَم ظُلْماً مِن الشِرك، لأنه مهمَا كان فإنَّ ظُلْمَ الشرك أعْظَم مِن كُلّ شيء فالذي خلقَك أوجدَك مِن العدم والذي أمدَّكَ بما تَقومُ به حياتُك هو الله عز وجل، والذي أعدَّكَ وجعلَك مُستعدًّا لِمَا تَنتفِعُ به هو الله فهو المُوجِد المُعِدّ المُمِدّ، إذا كان كذلك فهل يُوجَد أحَد أعْظَم حَقًّا عليك مِن الله؟ لا يُوجَد، فإذا نَقصْتَ اللهَ حقَّه كان ذلك أعظمَ الظُّلْم واضح؟، ولهذا مَن كان إليك أكثرَ إحساناً فإن إساءَتَك إليه تكونُ أعظَم مِن غيرِه، الذي يُحسِن إليك ويُعطِيك ويُرَبِّيك ثم تُسيءُ إليه أعظم مِمَّا لو أسأتَ إلى أحدٍ لم يكُنْ مِنْه ذلك.
(( إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) فرجع إليه وأسْلَم " مَن الذي رجع؟
الطلبة: ابنه.
الشيخ : الابن، وعلى كُلِّ حال ما نعرف عَادْ هل هذه المسألة كَما قال المؤلف أنَّ الابن كان مُشْرِكاً فلما وعظَه أبُوه رجَع فأسلَم، أو أنَّه -أي الابن- خافَ عليه أبوه مِن الشرك فنَهاه عنْه وبَيَّنَ لَه أن الشِّرك لَظُلم عظيم، ولا يلزمُ مِن النهي عنِ الشرك أن يكونَ الإنسان قد أشرَك، لأنَّه قد يُنْهَى عن الشيء خوفاً مِن وقوعِه لا رفعاً لما وقعَ مِنْه، وهذا أمرٌ موجود مُطَّرِد في القرآن وفي السنة وفي كلامِ الناس تقول لِلرَّجُل مثلاً: لا تُصاحبِ الأشرار. هل يلزم مِن هذا النهي أن يكون مُصاحباً لهم؟ ما يلزم قد يكون نهياً لِما يُخَاف أن يحصُل مِنه، فكلِمة (لا تشرك بالله) ليست صريحةً في أنَّ الابن قد وقَع في الشرك حتى يُقال: إنَّه رجع وأسلم بل قد يكونُ أبوهُ نهاهُ عن الشرك خوفاً مِن أن يقعَ فِيه والعِلْمُ عِنْد الله