تابع لتفسير قول الله تعالى : (( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير )) حفظ
كُلَّما كَبُر الجَنِين كَانَ ذَلك أشدَّ وأعظَم، الإنسان يجِد مِن نفسه أنَّه لو شَبِع وامتلأ بطنُه يَتعَب ولّا لا؟ يتعب معَ أنَّ هذا الغذاء يُمِدُّهُ بِالطَّاقَة فَكَيف بالجنينِ الذي يملأُ بطنَها ويأكُل مِن طاقتِها لأنَّه يتغذَّى مِن غِذائِها يكون هذا أشدّ وأعظَم، لأنه جامعٌ بيْن الإثْقال وبيْنَ المُشَاركة في الغِذاء، ولهذا تحتاجُ المرأة الحامِل إلى غذاءٍ أكثر، ومِن ثَمَّ أباحَ الشرعُ لها أن تُفْطِر في رمضان، مِن أجل ألا يَنْقُصَ الغذاءُ عليها فَتَتَعَب هِي ويتضرَّر الجَنين، وهذه مِن حِكمةِ الله عَزَّ وَجَل، كذلك أيضاً يلحقها وَهْنٌ عِنْد الطَّلْق ولَّا لا؟ الطلْق يُؤْلِم ويُوجِع ليس بالأمرِ الهَيِّن، لأنَّ الطَلْق بإذنِ الله يأتي مِن أجْلِ أن يَنْقِلَب الجَنين حتى يَسْتَعِدَّ للخُرُوج، الجَنِين الآن في بطنِ أمه وَضْعُه أنَّ رأسَه إلى جِهَة رأسِ الأم ووجهُه إلى جِهَة ظهْرِ الأُم وظهرُه إلى جِهَة بطنِها فهو مُعَاكِسٌ لأمِّه في الاستِقْبَال، وهذه حِكْمة، لأنَّه إذا كان وجهُه إلى الظهْر صارَ الظهْرُ حامِلاً لَه لأنَّه عِظَام يِحْمِي وجهَ الجَنين، لو كان وجهُ الجنين إلى وجهِ أمِّه فما هناك شيءٌ يحمِيه وكان أدْنَى -مثلاً- ضَربة أو شَيء تُصِيب وجهَه، لكن مِن حكمةِ اللهِ عزَّ وجَل أنَّه جعلَهُ هكذا، ولذلك قال العلماء: لو ماتت امرأةٌ كافرة كِتَابِيَّة حاملٌ بِولدٍ مِن مُسْلِم فَكَيْف تُدفَن؟
الطالب: ظهرها إلى القبلة.
الشيخ : تُدْفَن على جنبِها الأيمن وظهرها إلى القبلة.
الطالب: ما يصير على الأيسر؟
الشيخ : لا لا الأيمن، مو بالأيمن؟
الطالب: يصير بالأيسر؟
الشيخ : إي نعم على جنبها الأيسر نعم الأيسر، الأيسَر إن أمكَن أن تُدْفن وحدَها لا في مقابِرِ المسلمين ولا في مقابرِ الكفار فهو أولى، فإنْ تعذَّر فإنَّها تُدفَن في مقابرِ المسْلِمين على جنبِها الأيسَر لِيكُون الولَد على الجنْب الأيْمن مستقبِل القِبْلة، نعم، طيب الطَّلْق يحصل عند انطلاق هذا الولد، هذا الولد سينْطَلِق عِند الوضْع لِأجْل أن يكون رأسُه هو الأسْبَق حتى يخرُج، أوَّل ما يخرج مِن الجنين هو الرأس، تَتَألم مِن هذا الطلْق بِلا شك، ثُم عند الوَلَادة أيضا تتَألم ولّا لا؟ نعم تتألَّم ويلحقُها ضَعْف وربَّمَا يلحقُها إغماء وتَعَب وربما تَمُوت، فاللهُ تعالى يُذَكِّرُ الإنسان حالَ الأُم في هذه الأحوال التي كُلُّها أحوال ضَعْف عَلى ضَعْف.
الطالب: بعضهم يقول: ينقَلِب في الشهر السابِع.
الشيخ : لا، المعروف أنَّه ينقَلِب عِنْد الولادة لَأن هذا الطَّلْق ..
قال: (( حملَتْه أمُّه وهْناً على وَهْن )) أي ضعُفَت ِلِلحمل، وضعُفَت لِلطَّلْق، وضَعُفَت لِلولادة (( وفصاله )) أي فِطامُه (( في عامين )) " (فصالُه في عامين) يقول المؤلف: "فطامه" لكن مُضافاً إليها مُدَّة الحَمْل ولَّا لا؟ مضافاً إليها مُدَّة الحمل ولّا مُخرَجٌ مِنها مُدَّة الحمْل؟
الطالب: مُخرَج.
الشيخ : مُخرَجٌ مِنها مُدَّة الحمْل، لأن الله قال في آية أخرى: (( وحَمْلُه وفِصَالُه ثلاثون شَهْراً )) فإذا أسقطْنَا أقلّ مُدَّة الحمل ستة أشهر بَقِي أربعة وعِشرون شهراً وهي عَامَان، نعم .
الطالب: ... على ..
الشيخ : الاستِعلاء يعني: وهنٌ مُضافٌ على وَهْن مثل ما تقول مثلاً: وضعتُ كِيساً على كِيس ولَبِنَةً على لَبِنَة وما أشبه ذلك.
الطالب:....
الشيخ : كلُّه بسبب الحمل، نعم، قال: .. عند نَشْئِه والثاني عِند الطَّلْق والثالث عند الولادة.
(( حملته وهن على وهن وفصاله في عامين )) وقلنا له: (( أَن اشكُرْ لِي ولِوالدَيك )) (فصالُه في عامين) يعني أنَّه لا ينفصِل مِن أمه إلا بعد عامين فيُضَاف إلى الحمْل مُدَّة الفصال، مدة الفصال فيها تعب ولَّا لا ؟ فيها تعب لا شك، تُرضِعُه وتسْهَرُ لسَهَرِه ويتألم قلبُها لألمِه وتُصلِحُ شأنَه مِن تنظيفِه وتنظيفِ ثيابِه وحملِه عِند البُكَاء وغيرِ ذلك، إذاً فهي في تعبٍ مِن حين يُحمَل إلى أن يُفصَل بعدَ ولادتِه في عامين، ولمْ يذكرِ الله سبحانَه وتعالى في حقِّ الأبِ شيئاً فما تقولون؟ لِيُبَيِّن نعم، لِأَنَّ الأبَ فِي الغالِب يُتَّقَى ويُخْشَى فلا حَاجَةَ إلى أن يُبَيَّنَ ما ينالُه مِن ابنِه حتَّى يكُونَ حَافِزاً للابْن على القِيام بحقِّه، لكن الأمُّ لما كانت ضَعيفَة وربما يَتهاوَن الإنسانُ بِحقِّها ذَكَرَ الله سبحانه وتعالى مِن أحوالها ما يكونُ سبباً لِقيام الابْن بِواجبِه، وهذا ترَوْنَه كثيراً في القرآن الشيءُ الذي يُخشَى فيه التهاون يُؤَكَّد، مثال ذلك الوصِيَّة والدَّين في التَّرِكَة أيُّهما يُقدَّم؟ يُقَدَّم الدَّينُ عَلى الوَصِيَّة بالإجماع، ومع ذلك ذَكَر اللهُ تعالى الوصِية في آياتِ المَوارِيث قَبل الدَّين قدمها في الذِّكْرِ على الدَّين لِماذا؟ لأنَّ الوَصِيَّة حقٌّ قَد يَتَهَاون بِه الوَرَثَة، والدين لا يتهاوَن بِه الوَرَثَة فورَاءَه
الطالب: مَن يَطَالِب..
الشيخ : مَن يُطالِب بِه، صاحبُه، فالله عز وجل قد يدْعَم الأشياء التي يُخشَى فيها التهاوُن بِأوصافٍ تَحمِل على القيام بما ينبغي أن يقومَ به، فهنا لما كانت الأمُّ ضعيفة وكان الإنسان قد يعتَدِي عليها وعلى حقِّها أكثر ذَكَرَ الله تعالى مِن أسباب بِرِّهَا الموجِبَة ما لم يَذكُرْه في حقِّ الأب، وأظُنُّنا كُلّنا نعلم أنَّ الابِن دَائماً يعتدِي على أُمِّه بالسبّ والشَّتْم وربما بالضَّرب لكن على أبيه ما يستطِيع ولا يعتدي عليه كمِثْل اعتدائِه على أمِّه، وإذا لم يقُم بحقِّه فإن أباه يفرِضُ ذلك عليه، فلهذا ذَكَرَ الله تعالى هذه الصِّفات في الأم، ليكونَ حثًّا لنا على القيام بحقِّها.
(( خَلَقَ السماوات بغَيْرِ عَمَد ))