فائدة : على أن الأرض تدور والأدلة على ذلك ، مناقشة قول من يقول على أن الأرض لا تدور حفظ
ويُستفاد مِن الآية الكريمة أنَّ الأرض تدور، .. الآن نَحُطّ المعدِن على الماء ونصهره نفخ الزيت مِن الماء الحقيقة، يستفاد مِن الآية أنَّ الأرض تدور كيف ذلك؟ يقولون: لِأن قولَه: (( أن تميدَ بكم )) يدل على وجود أصل الحركة، لأنَّ نَفْيَ الأخَصّ يدُلُّ على وُجُودِ الأَعَمّ ألم تروا إلى قولِه تعالى: (( لا تدركه الأبصار )) حيث كان دليلاً على وُجود أصلِ الرُؤْيَة أو لا؟ قولُه تعالى: (( لا تدركه الأبصار )) مو دليل على أنَّ الرؤية موجودة؟ ولهذا الآية استَدَل بها أهلُ السنة على إثباتِ رُؤْيَة الله، وأهلُ البدعة على نفيِ رُؤيةِ الله، ولكن الصواب مع أهل السنة، لأنَّ نَفْيَ الأخص يقتضِي وُجودَ الأعم إذ ليس مِن المعقول أن يُنْفَى الأخصّ مع انتِفَاءِ الأعم ثُم لا يُتَطَرَّقُ لَهُ، لو كان الأعمُّ مُنْتَفِياً لوَجَب أن يُنْفَى الأعم لِأجل يَدْخُل فيه الأخص، لو كان الله لا يُرَى لقال الله عز وجل: لا تَراه الأبصار. حتى تنْتَفي الرؤية وينتفي الإدراك مِن باب أولى أليس كذلك؟ فلَمَّا قال: (( لا تدركه )) عُلِمَ أنَّ أصل الرؤية مَوجُود لكنَّه لا يُدْرَك سبحانه وتعالى، هنا لما قال: (( أن تميدَ بكم )) والمَيَدَان الاضطراب عُلِم أنَّ أصلَ الحَرَكة موجودة، لكن هذه الرَّواسي لأجل اتِّزان الحَرَكة حتى لا تضطرِب، هذا هو تقدير مَن يرى أنَّ في الآية دليلاً على أنَّ الأرض تدور، أمَّا الذين يقولون: فيها دليل على أن الأرض لا تدُور فيقولون: إننا لا نُسَلِّم أن المَيَدَان معناه الاضطراب بل نقول: إن المَيَدَان هُو الحركة (( ألقى في الأرض رواسي )) أن ترسي ولا تَتَحَرك، فيُفسرون المَيَدَان بأصل أو بِمُطْلَق الحرَكَة، وإذا كان الأمر كذلك فإنَّ الواجِب أن نَرجِع إلى اللغة ِالعربية فإذا كانت اللغةُ العربية تدُلُّ على أنَّ الميَدَان هو الاضطراب، فنحن نقول: إنَّ فيها دليلاً على وُجُود أصلِ الحركة، وإذا كانت اللغة العربية تقول: إنَّ الميَدَان هو الحركة فإننا نقول: فيه دليل على أنَّها لا تدُور، نعم، ونحن إذا قلنا: إنها تدور لا ينقُصُ الله شيئاً بل هو في الواقع زِيادة في قُدْرَتِه سبحانَه وتعالى حيث تدور هذِه الأرض بجميع ما فيها مِن بِحَار وأنهَار وأشْجار ومَدَر وحَجَر وكُل شيء تدُور ومَع ذلك بهذا الاتِّزَان البَدِيع الذي لا يَتَغَيَّر هذا دليل على قُدْرة الله عز وجل، كما أنَّ سكونَها وهي على الماء دليل على قُدْرَة الله سبحانه وتعالى، لكن الشَيْء الذي يجب أن يُنْكر حتى يتبين لنا كالشمس هو القول بأنَّ اخْتِلاف اللَّيل والنَّهار بسبب دَوَران الأرض هذا لا نُسَلِّم به بل نقول: إنَّ الليل والنهار بسبب دَوَرَان الشَّمس على الأرْض لأنَّ هذا هو ظَاهِرُ القرآن ولا يمكن أن نَتَزَحْزَح عَنْه إلا بدليل فيه مِثل الشمس، فإنَّ الله عز وجل أثبت الفعل لِلشَّمْس (( وترى الشمسَ إذا طَلعَت تَزَاوَرُ عن كَهْفِهم )) ولم يقل: إذا طَلَع الكهفُ عليهم يتزَاور، وأثبت تزاور، ولو كانت الحركة للأرض لكانَت الأرض هي التي تَزَاوَر، (( وإذا غربت )) هذا الفعل الثالث ولو كانت الأرض هي اللي تدور التي يكون بدورانها اختلاف الليل والنهار لقال: وإذا غربت الأرض. نعم، أو .. الأرض أو ما أشبه ذلك، و(تقرضهم) نفس الشيء فِعْل، والنَبي عليه الصلاة والسلام أخبَر لما قال لأبي ذر: ( أتدري أين تذهب؟ ) لما غربت الشمس ( أتدري أين تذهب؟ ) فأخبر أنها تذب هي بنفسِها، فالصواب بلا شك هو هذا إلَّا إذا ظهر لنا دَلِيل مِثْل الشمس فإنَّه يُمكِن أنْ تُؤَوَّل هذه الآيات إلى أن المعنى غَرَبَت وطَلَعَت باعتبارِ رُؤْيَة الرَّائِي وإن كان الرائي هو اللي طالع، أنت تسِير في سيارة وفي سيرك طلع عليك مثلاً ناقة تقول: طَلَعت على ولَّا لا؟ بينما أسير إذ طلع علي ناقة ... تقول طلعت علينا مع أنك أنت اللي طلع عليها، هذا ممكن لغة لكنَّا ما دمنا لم نتيقن هذا الأمر وإنما هي نظريَّاتٌ مِن قومٍ لا يُؤْمِنون بالقرآن ولا يؤمنون بالشرائع، نعم، فإننا لا نَقْبَلُ ذلك مِنْهَم بل نأخُذ بكلامِ اللهِ عز وجل، فإنْ قالَ قائِلٌ: إن قولَكم هذا يُناقِض قولَكم بإمكانِ دَوَرَانِ الأرْض، يعني إذا أمكن دوران الأرض يجِب أن يكُون تَعَاقُب الليل والنهار بِسبَب دَوَرَان الأرض، فنقول: إن هذا لا يلزمُنا، لأنَّه مِن الممْكن أن يدُور هذا وهذا وتكون حَرَكَةُ الشمس ودورانُها أسرَع، وإذا كان أسرع لَزِم مِن ذلك أن تَطُوفَ بِالأرْض ولَو مَعَ دَوَرَانِ الأرْض، يعني ممكن تكون الأرض تدور قليلا وهذه تكون أكثر فيمكنُها أن تَلِف علَى الأرض، فالحاصل أنَّ هذه المسائل لا شَكَّ أنَّ الواجِب على المُؤْمِن أن يأخُذ بِظاهِر القُرآن والسُّنَّة هذا الواجِب في الأمور الغيبية وفي الأمور التي لا يمكن إدراكُها حِسًّا، ثم إذا تبيَّن له بعد ذلك بِالحِسّ أن ظَاهِر القُرآن غَيْر مُرَاد فإنَّما يجوز لنا بل يجِب علينا أن نُؤَوِّل ظاهرَ القرآن لماذا؟ لأنه لا يُمكن أن يتعَارَض القرآن مَع الوَاقِع مُستَحِيل هذا، ولو أننا جَوَّزْنا ذلك عقلاً لَلَزِم أن يَكُونَ في القرآن ما هو كَذِب، لأنَّ الكَذِب هو خلاف الواقع وهذا أمر مُسْتَحِيل، ولذلك يَجِب علينا -يا إخواننا- أمام هذه النظريات أن نجعلَها كأحاديث بَنِي إسرائيل ما وافق القرآن فهو حَقّ وأخذْنَا بِه، ولكِنَّنَا لا نأخذ به على أنَّه هو الذي أثْبَتَه بل على أنَّ القرآن هو الذي أثْبَتَه، وإنما نقول ذلك لِئَلَّا يَكُون لَهُم الفَضْلُ علَيْنَا، ثانياً: مَا خَالفَ القُرآن وَجَبَ عليْنَا رَدُّه، الثالث: ما لا نعلمُ مُوافَقَتَه لِلقرآن ولا مُخالفتَه فهذا العَقل والشَّرْع يقتضِي أن نَتَوَقَّف ونَقُول: إننَا لا نُصَدِّقه ولَا نُكَذِّبه، وحينئَذٍ يحتاجُ الإنسان طَالِب العِلْم إلى أن يتَعَمَّق ويَتَأَمَّل ويَنْظُر نَظَراً عَمِيقاً جِدًّا في نُصُوص الكتاب والسنة حتى لا يَحْكُمَ بِأنَّ الوَاقعَ يُخالفُها فيكونُ في ذلك رَدُّ فِعْلٍ لِمَن لا يُؤْمِنُ بالإسلام، يعني مثلاً لو أن أحداً أنْكَر مِثْل هذه النَظَرِّيات بِدون تَأَمُّلٍ في دلالة الكتاب والسُنَّة أنْكَرَها على طُول كما يفعلون بعض العامَّة فهذا -الحقيقة- ليس مِن خِدْمَةِ الإِسْلام، هذا أخذَ الإنسانُ خَنْجَراً بيدِه وطَعَنَ بِه صَدْرَه وهو لا يَشْعُر، فالواجب تِجَاه هذه الأمور مِثْل ما قُلْت لَكُم أن نَعْرِضَهَا على الكِتَاب والسُّنَّة، فَمَا وافقَ الكِتَاب والسُّنَّة فهو حَقّ، لِكونه خالف الكِتَاب والسُّنَّة، وما خالفَهما فهو بَاطِل، وما لا تُعْلَم مُوَافَقَتُه ولا مُخَالَفَته فالواجب فيه التَوَقُّف وأن يقول الإنسان: إن تَبَيَّن لي بِحَسَب إدراكِي أنا وإن كان عِلْمي قاصر في هذه الأمور فأنا أُصَدِّقُ به، إذا لم يظهَر لي فأنا لَسْتُ مُلْزَماً بأن أُصَدِّق أو أُكَذِّب أَقِف مِن هذا مَوْقِف المُحَايِد وهذا هو العَقْل.