تفسير قول الله تعالى : (( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير )) حفظ
(( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ )) تَوَسَّطْ فِيه بَيْنَ الدَّبِيبِ والإِسْراَع وعَلَيكَ السَّكِينَة (( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ )) المؤلف .. وقال: (وَاغْضُضْ) اخْفِضْ (( مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) أَقْبَحَهَا (( لَصَوْتُ الحَمِيرِ )) أَوَّلُهُ زَفِير وَآخِرُهُ شَهِيق " نعم، (اقْصِدْ في مَشْيِك) القَصْد معنَاهُ الوَسَط في الأمُور فالوسَطُ في الأمور معناه: أنّ الإنسان يكُونُ وَسَطًا في مَشْيِه بين الذي يمْشِي مُسْرِعًا والذي يمْشِي مُتَبَاطِئًا، والقَصْدُ في كُلِّ شيْءٍ هو الوَسَط ولهذا وَرَدَ في الدُّعَاء الـمَأْثُور: ( وَأَسْأَلُك القَصْدَ في الفَقْرِ والغِنَى ) معنى (القَصْد) يعني التَوَسُّط في الأُمُور (( الَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ))[الفرقان:67]، وقولُه: (( وَاقْصِدْ في مَشْيِك )) تَوَسَّط فيه بين الدَّبِيبِ والإسْرَاع وعليك السَّكِينَةُ والوَقَار " يعني لا تَدُبُّ دَبِيبًا قال لك: تَمْشِي، ولا تُسْرِعْ سُرَعَةً تُخِلُّ بالمـُرُوءَة ولكنْ لِيَكنْ مَشْيُك وَسَطًا بيْنَ هذا وهذا دَالًّا على القُوَّة وعلى النَّشَاط كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يَفْعَلُ في مَشْيِه.
(( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) (مِن) هذه لِلتبعيض مَا قال: اغْضُضْ صَوتَك. بل قال: مِنْهُ. وذلك لأنَّ الإنسان لا يُحْمَد على رَفْعِ الصَّوْتِ جدًّا ولا على خَفْضِهِ جدًّا، والنَّاس مِنهم مَن يَكُون عَالِيَ الصَّوْت إِذَا قَام يَتَكَلَّم وإذَا هو كأنَّمَا يَتَكَلَّمُ على جَمَاعَةٍ بَعِيدِين، ومِن الناس مَن يكُون بالعَكْس يُكَلِّمُك رُبَّمَا لا تَفْهَمُ مِنْه إلا الكَلِمَة بعْد الكَلِمة كُلُّ هذا لَيْس بِجَيِّد، ولهذا قَال: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) ولم يقل: اغْضُضْه كُلَّه. فلا ينبَغِي هذا ولا هذا بل يكُون أيضًا قَصْدًا بين رَفْعِ الصَّوْت والإخْفَاء، وقولُه: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِك )) الـمُرَاد عند المـُخَاطَبَة، نعم، عند المـُخَاطَبَة، ثم إنَّ (مِن) هنا تُفِيدُ التبعيض في الكَيْفِيَّة وكذلك في الكَمِّيَّة، في بعض أحيان يكون الأفضَل أن تَرْفَع صَوتَك ألَيْسَ كذلِك؟ افْرِضْ أنَّك تُنَادِي قومًا بعيدِين في تَرَامِي الأطْرَاف تُريد أن تَحُثَّهم على قِتَال أو ما أشْبَهَ ذلك يَجُوز رَفْعُ الصَّوْت ولَّا لا؟ يَجُوز، ولهذا العَبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب في الحديث الصَّحيح لمـَّا انصرفَ الناس أمرَه النبيُّ عليه الصَّلَاةُ والسَّلَام أن يُنَادِي فقال -بأعلى صوتِه-: ( يَا أَهْل الشَّجَرَة! يَا أصْحَابَ سُورَةِ البَقَرَة! ) بأعلى صوتِه، وهذا لا شَك أنَّه ليس غَضًّا مِن الصوْت لأنَّ الله تعالى يَقُول: (( اُغْضُضْ مِن صَوْتِك )) فصارَ الغَضُّ مِن الصَّوْت باعتبَار الكَمِّيَّة وباعْتِبَارِ الكَيْفِيَّة كيفَ ذلك؟ نقُول: إذا كُنت تُخَاطبُ مِن إِلى جَانِبِك لا تَرْفَعِ الصَّوْت ولا تَخْفِضْهُ بِحَيْثُ لا يَسْمَع، هذا باعتِبَار ايش؟ الكَيفِيَّة، باعتبار الكَمِّيَّة يعني أحيانًا رُبَّمَا تُضطَّـــرُّ إلى رَفْعِ الصوت ولهذا قال: (( اغْضُضْ مِن صَوتِك )) يعني أحيانًا، لكنْ في بعضِ الأحيان تَسْتَدْعي الحَال أن تَرْفَعَ صَوْتَك بِقَدْرِ ما تُسْمِع.
ثُمَّ علَّلَ -سُبحانَه وتعالى- أو يَكُون مِن كَلام لُقمان لأن قولَه: (( إِنَّ أَنْكَرَ )) يَحتَمِل أن يَكُون مِن كلام لُقْمَان، لأنه الأصْل، ويحتَمِل أن يَكُونَ مِن كلامِ الله خَتَمَ اللهُ به الآيَة، وقولُه: (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) تَعْلِيلٌ لقولِه: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ))، (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) يعني أقبحَها وأبْشَعَهَا ولَيْسَ أعْلَاها لكنْ أَنْكَرَهَا، لأنَّ في الحَيْوَان مَن هو أعلَى صوْتًا مِن الحِمَار لَكنْ في القُبْح ليس فِيه أَقْبَح مِن صَوتِ الحَمِير، وقولُه: (( أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِير )) الجُمْلة هذه مُؤَكَّدَة بِمُؤَكِّدَين وهي (إنَّ) واللام، ووَجْهُ ذلك ما ذكرَه المؤلِّف أنَّ أوَّلَه زَفِير وآخِرَه شَهِيق، نعم، كيف؟ وش الفَرْق بين الزَّفِير والشَّهِيق؟ ما هُو؟
الطالب: الزفير: خروج الهواء، والشهيق: ..
الشيخ : نعم، الشَّهِيق يكونُ بَاطِنًا في الصَّدْر، والزفِير يكُون خَارِجًا ولهذا قال الله تعالى: (( إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ))[الفرقان:12]
الطالب: (( لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )).
الشيخ : وكذلك الآية الثانية: (( لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )) هذا باعتبار السَّاكِنِين ، وقال في آيَةٍ أُخْرَى: (( سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ )) فَذكَرَ الله تعالى لِلنار زَفِير وشَهِيق كما أنَّ لِسَاكِنِيها -أيضًا- زَفِيرًا وشَهِيقًا -نَعُوذُ باللهِ مِنه- نعم، قال: (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتَ الْحَمِيرِ )) انْتَهَت الوِصَايَة النَّافِعَة التي هِي مِن الحِكْمَة التي أَعْطَاهَا اللهُ تعالى لُقْمَان
(( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) (مِن) هذه لِلتبعيض مَا قال: اغْضُضْ صَوتَك. بل قال: مِنْهُ. وذلك لأنَّ الإنسان لا يُحْمَد على رَفْعِ الصَّوْتِ جدًّا ولا على خَفْضِهِ جدًّا، والنَّاس مِنهم مَن يَكُون عَالِيَ الصَّوْت إِذَا قَام يَتَكَلَّم وإذَا هو كأنَّمَا يَتَكَلَّمُ على جَمَاعَةٍ بَعِيدِين، ومِن الناس مَن يكُون بالعَكْس يُكَلِّمُك رُبَّمَا لا تَفْهَمُ مِنْه إلا الكَلِمَة بعْد الكَلِمة كُلُّ هذا لَيْس بِجَيِّد، ولهذا قَال: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) ولم يقل: اغْضُضْه كُلَّه. فلا ينبَغِي هذا ولا هذا بل يكُون أيضًا قَصْدًا بين رَفْعِ الصَّوْت والإخْفَاء، وقولُه: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِك )) الـمُرَاد عند المـُخَاطَبَة، نعم، عند المـُخَاطَبَة، ثم إنَّ (مِن) هنا تُفِيدُ التبعيض في الكَيْفِيَّة وكذلك في الكَمِّيَّة، في بعض أحيان يكون الأفضَل أن تَرْفَع صَوتَك ألَيْسَ كذلِك؟ افْرِضْ أنَّك تُنَادِي قومًا بعيدِين في تَرَامِي الأطْرَاف تُريد أن تَحُثَّهم على قِتَال أو ما أشْبَهَ ذلك يَجُوز رَفْعُ الصَّوْت ولَّا لا؟ يَجُوز، ولهذا العَبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب في الحديث الصَّحيح لمـَّا انصرفَ الناس أمرَه النبيُّ عليه الصَّلَاةُ والسَّلَام أن يُنَادِي فقال -بأعلى صوتِه-: ( يَا أَهْل الشَّجَرَة! يَا أصْحَابَ سُورَةِ البَقَرَة! ) بأعلى صوتِه، وهذا لا شَك أنَّه ليس غَضًّا مِن الصوْت لأنَّ الله تعالى يَقُول: (( اُغْضُضْ مِن صَوْتِك )) فصارَ الغَضُّ مِن الصَّوْت باعتبَار الكَمِّيَّة وباعْتِبَارِ الكَيْفِيَّة كيفَ ذلك؟ نقُول: إذا كُنت تُخَاطبُ مِن إِلى جَانِبِك لا تَرْفَعِ الصَّوْت ولا تَخْفِضْهُ بِحَيْثُ لا يَسْمَع، هذا باعتِبَار ايش؟ الكَيفِيَّة، باعتبار الكَمِّيَّة يعني أحيانًا رُبَّمَا تُضطَّـــرُّ إلى رَفْعِ الصوت ولهذا قال: (( اغْضُضْ مِن صَوتِك )) يعني أحيانًا، لكنْ في بعضِ الأحيان تَسْتَدْعي الحَال أن تَرْفَعَ صَوْتَك بِقَدْرِ ما تُسْمِع.
ثُمَّ علَّلَ -سُبحانَه وتعالى- أو يَكُون مِن كَلام لُقمان لأن قولَه: (( إِنَّ أَنْكَرَ )) يَحتَمِل أن يَكُون مِن كلام لُقْمَان، لأنه الأصْل، ويحتَمِل أن يَكُونَ مِن كلامِ الله خَتَمَ اللهُ به الآيَة، وقولُه: (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) تَعْلِيلٌ لقولِه: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ))، (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) يعني أقبحَها وأبْشَعَهَا ولَيْسَ أعْلَاها لكنْ أَنْكَرَهَا، لأنَّ في الحَيْوَان مَن هو أعلَى صوْتًا مِن الحِمَار لَكنْ في القُبْح ليس فِيه أَقْبَح مِن صَوتِ الحَمِير، وقولُه: (( أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِير )) الجُمْلة هذه مُؤَكَّدَة بِمُؤَكِّدَين وهي (إنَّ) واللام، ووَجْهُ ذلك ما ذكرَه المؤلِّف أنَّ أوَّلَه زَفِير وآخِرَه شَهِيق، نعم، كيف؟ وش الفَرْق بين الزَّفِير والشَّهِيق؟ ما هُو؟
الطالب: الزفير: خروج الهواء، والشهيق: ..
الشيخ : نعم، الشَّهِيق يكونُ بَاطِنًا في الصَّدْر، والزفِير يكُون خَارِجًا ولهذا قال الله تعالى: (( إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ))[الفرقان:12]
الطالب: (( لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )).
الشيخ : وكذلك الآية الثانية: (( لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )) هذا باعتبار السَّاكِنِين ، وقال في آيَةٍ أُخْرَى: (( سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ )) فَذكَرَ الله تعالى لِلنار زَفِير وشَهِيق كما أنَّ لِسَاكِنِيها -أيضًا- زَفِيرًا وشَهِيقًا -نَعُوذُ باللهِ مِنه- نعم، قال: (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتَ الْحَمِيرِ )) انْتَهَت الوِصَايَة النَّافِعَة التي هِي مِن الحِكْمَة التي أَعْطَاهَا اللهُ تعالى لُقْمَان