تفسير قول الله تعالى : (( نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ )) حفظ
ثم قال: (( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ))[لقمان:24] -أعُوذُ بالله- نُمَتِّعُهم يعني نجعَلُهم يتَمَتَّعُون يأكُلون ما شَاءوا ويلْبَسُون ما شاءُوا ويرْكَبُون ما شاءوا ويسْكُنُون ما شاءوا ويَتَنَعَّمُون بِكُلِّ نَعِيمِ الدُّنْيَا ولكنَّ هذا قَلِيل وقليلٌ وقَلِيل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لَمَوضِع سَوطِ أحَدِكُم في الجنَّة خيْرٌ مِن الدُّنْيا وما فِيها ) مَوْضِع السَّوْط خيرٌ مِن الدنيا ما هي الدنيا بِمَن فيها فَقَط مِن أَوَّلِها إلى آخِرِها نعم، مِن الدنيا وما فِيها، هؤلاء -والعياذُ بالله- يُمَتَّعُون قلِيلًا وما أَقَلَّ الدنيا ومَتَاعها، كلُّ ما مضى مِن الدنيا إلى ساعَتِك الحَاضِرة كأنه لم يكُن كأنَّه أضغَاثُ أحْلَام، يُعَمَّر الإنسان فيها ما يُعَمَّر ومع ذلك يَوْمَ يرَوْنَ ما يُوعَدُون كأنْ لَمْ يلبَثوا إلا ساعةً مِن نهار، فهم يُمَتَّعُون قليلًا، والقِلَّةُ هنا باعتبار نوْعِ الـمَتَاع وباعتبارِ زَمَنِه، فنَوعُ المتاع بالنسبة لِمَا في الآخرة قليل ولَّا كثير؟
الطالب: قليل.
الشيخ : قليلٌ جدًّا وليس يُنْسَب قال ابنُ عباس : " ليسَ في الدُّنْيا مِمَّا في الآخِرَة إلَّا الأَسْمَاء " كذلك بالنسبة للزَمَن الزَّمن قَلِيل أليس كذلك؟ ما يُنْسَب إلى زَمَن الآخِرَة الأبَدِيّ، (( نُمَتِّعُهُم قَلِيلًا )) وقد بَيَّنَ الله تعالى في آيةٍ أخرى صِفَة هذا التَّمْتِيع فقال جَلَّ ذِكْرُه: (( والذين كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ويَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ والنَّارُ مَثْوًى لَهُم )) هذا صِفَة هذا التَمَتُّع شَهْوَانِيِّين ليس لهم إلا شَهْوَة البَطْن وشَهوةُ الفَرْج كما تَفعلُ الأنعامُ تمامًا.
وقال: (( ثُمَّ نَضْطَرُّهُم إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ )) (ثم) يعني بعد هذا التمْتِيع القليل " (نضطرُهم) في الآخِرَة (إِلَى عذابٍ غليظٍ) وهو عذابُ النار لا يجِدُون عنه مَحِيصًا " نعم، (نضطرهم) يعني نُلْجِئُهُم (( فَمَن اضْطُرَّ غيْرَ باغٍ )) يعني فَمَنْ أُلْجِئ وهذا أصلُه مأخُوذٌ مِن الإِلْجَاءِ إلى الضَّرَر لأن (اضْطَرّ) أصلُها نَضْطَرّ فَلِهذا كلُّ شيء يُلْجِئُ الإنسان يُسَمَّى ضَرُورَة، لأنَّه يُلْجِئُه إلى هذا الشَيْء، وقولُه: ( نَضْطَرُّهُم إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ ) لأنهم هم لا يرِيدونه ما يُرِيدُون النَّار ولا يُرِيدُون هذا العَذَاب لكنَّهم يُجْبَرُون عليه والعِيَاذُ بالله لأنهم عَمِلُوا أسبابَه، وقولُه: " (( نضطَرُّهم )) في الآخِرَة " ما المراد بـ(الآخرة) هو ما بعْدَ يوم القيامة أو حتَّى القَبْر؟
الطالب: حتى القبر.
الشيخ : حتى القبر ولهذا قال شيْخُ الإسلام ابن تَيْمِيَّة في العقيدة الواسطية: " ومما يَدْخُل في الإِيمَان باليَوم الآخِر: كُلُّ ما أخْبَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموْت " كُلُّه مِن اليوْمِ الآخر، فَهُمْ بعد هذا الـمَتَاع يُلْجَئُون إِلى العذاب -والعِيَاذُ بالله- وقولُه: (( نضْطَرُّهم إلى عَذَابٍ )) الـ(عذاب) العُقُوبة، (غليظ) يقول المؤلف: إنه عذَابُ النَّار، وش ضِدّ الغليظ؟ ضِدُّه الرَّقِيق، وغِلَظُ عذابِ النار في كيفِيَّتِه وفي نَوْعِه -والعِيَاذ بالله- أما الكَيْفِيَّة فإنَّ الله تعالى يقول: (( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُم جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ )) ويقولُ فيما يُعَذَّبُون به: (( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُم سَعِيرًا )) -والعياذُ بالله- هذا في كيفِيَّته أمَّا نوعُه فإنَّه لا يَخْطُرُ بالبَال ولا يُدْرِكُه الخَيَال، يُسْقَوْنَ ماءً حمِيمًا إذا استغَاثُوا ومَاتُوا مِن العَطَش واستغَاثُوا وطَلَبُوا الغَوْث ماذا يُغَاثُون به؟ يُغَاثُون بمَاء ٍكالـمُهْل وهو الرَّصَاص الـمُذَاب -والعياذ بالله- يَشْوِي الوُجُوه إذا أقْبَل على الوجْه شَوَى الوجْه، فإِذا نَزَل إلى الأمْعَاء سُقُوا ماءً حمِيمًا فقَطَّعَ أمْعَائَهم، وأحيانًا يُسْقَوْن مِن ماءٍ صَدِيد (( يَتَجَرَّعُهُ ولَا يَكَادُ يُسِيغُه وَيَأْتِيهِ الـمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ ومَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَاءِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ )) هذا العذاب -والعياذ بالله- بأنواعِه الشدِيدَةِ العَظِيمَة يَسْتَحِقُّ أن يُوصَفَ بأنَّه عَذَابٌ غَلِيظ ليس فِيه رِقَّة ولَا دِقَّة بل هو غَلِيظ شَدِيد، وقولُه: " لا يجِدُون عنها محِيصًا " هكذا في القرآن يعْنِي لا يَجِدُونَ مَفَرًّا (( وَرَأَى المُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أنَّهُم مُوَاقِعُوهَا ولَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا )) ما فيه بل إنَّهم -والعياذ بالله- يأتُونَ إِلَيْها وِرْدًا عِطَاشًا وتُمَثَّلُ لهم كأنها سَرَاب ماء والعَطْشَان إذا رأى الـمَاء ولو كان سَرَابًا يَظُنُّه مَاءً لشدة تَلَهُّفِهِ إلى الـمَاء فيرِدُونَها على هذا الوَجْه -والعياذ بالله- ويَتَسَاقَطُونَ فيها، نعم