تفسير قول الله تعالى : (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) حفظ
(( وَلَئِن )) لَامُ قَسَم (( سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ )) " قولُه: (ولئن سألتهم) يقُول: لام قسم. مَقْرُون بماذا؟ بـ(إن) الشرْطِيَّة حُذِفَ جَوابُ الشرط ولَّا جَوَابُ القَسَم؟ حُذِفَ جوابُ الشرْط وبَقِي جوابُ القسَم أين الجَوَاب؟ (لَيَقُولُنَّ اللهُ) وقد مرَّ علينا قولُ ابْنِ مالك:
واحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَم جَوَابَ مَا أَخَّــــــــرْتَ فـــهو مُـــــلْتَزَم
وقولُه: (( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ )) يعني الرسول عليه الصلاة والسلام أو مَن يتَأَتَّى خِطَابُه؟ يحتَمِل هذا وهذا، نعم، (ولئن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) هذا هو صِيغَةُ السُؤَال مَن خَلَقَ السماوات والأرض؟ خلَقَها اللَّات؟ العُزَّى؟ مَنَاة؟ هُبَل؟ مَن؟ الجواب؟
الطالب: الله.
الشيخ : (( لَيَقُولُنَّ اللهُ )) هم يعتَرِفون بأنَّ خالِقَ السماوات والأرض هو الله عز وجل، وقولُه: (لَيَقُولُنَّ) هي جوابُ القسم " حُذِفَ منه نُونُ الرَّفْعِ، لِتَوَالِي الأَمْثَالِ " ووَاوُ الضمير لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْن أصلُه (لَيَقُولُونَنَّ) هذا أصلُه (لَيَقُولُونَنَّ) صح؟ لأن هذا فعل مضارع مِن الأفعال الخمسة لا بُد فيه مِن الواو والنون فنقول: لَيَقُولُونَ حُط نون التوكيد معهن (لَيَقُولُونَنَّ) اجْتَمَع عندنا الآن ثلاث نُونَات كلهن زائِدَات نعم، نضْرِب بينهم قرعة أو نَفْصِل بينهم بِحُكْم؟ نفصِل بينَهُنَّ بِحُكْم نقُول: إنْ حذَفْنا نون الرفع بقيت نُونُ التوكيد وإنْ حذفْنَا نون التوكيد بقِيَت نون الرفع فأيُّهُما؟ نَحْذِف نون الرفع، لِسَبَبَيْن السببُ الأول أنَّ نون الرفع اعْتِيدَ حذفُها فيما إذا كان الفعلُ منصُوبًا أو مجزُومًا صح ولَّا لا؟ بل إنَّها قد تُحْذَف في غيرِ حالَتَي النَّصْب والجزْم تُحْذَف للتَّخْفِيف كما في قولِ الرسول عليه الصلاة والسلام: ( والله لا تدخُلُوا الجنة حتى تُؤْمِنُوا ) ( والله لا تدخُلُوا الجنة ) لا تدْخُلوا هذي ما فِيها لا ناصِب ولا جازم حُذِفَتْ لِلتَّخْفِيف وأصله؟ لا تدْخُلون الجنة فحُذِفَتَ النون للتخفيف، وتحْذَفُ النون أيضًا مع نُون الوِقَاية كثيرًا، إذًا فهْيَ أَحَقُّ بالحذف فتبقى نُون التوكيد، لأننا لو حذفْنَا نُون التوكيد فاتَ المقْصُود ونحن نريدُ أن نُؤَكِّد الفعل، وتأكِيدُ الفعل هنا -ونحن قد بحثنا في دَرس جديد في النحو- توكيد الفعل هنا واجب ولَّا غير واجِب لَيَقُولُنَّ؟
الطالب: واجب
الشيخ : واجب، لأنه مُثْبَت لِقَسَم مُسْتَقْبَل
الطالب: غير مفصول.
الشيخ : غيرُ مَفْصُول، نعم لم يُفْصَل بين لامِه وبين فعلِه فيكون توكيدُه واجبًا، طيب إذًا نُبقي النون فإذا قالت نونُ الرفع: أبقونا جَمِيعًا نصير جَمِيعًا (لَيَقُولُونَنَّ) .. ؟ نقول: ما يمكن، لأن نون الرفع زائدة ونُون التوكيد زائِدة فلا يمكن يجتمع عندنا ثلاثَة حُرُوف كلها زائدة في مكانٍ واحد نعم، عسانا نَتحَمَّل حرْف أو حرْفين إذًا نقُول لا بُد مِن حَذْف إحْدَاك وأنت يا نون الرفع أَوْلَى بالحذف امشي، تجي على الواو مع نون التوكيد الواو .. ساكِنة تقُولُوا ساكِنة ونُون التوكيد مُشَدَّدَة فالحرف الأول منها ساكِن نعم، اجْتَمَع ساكِنَان ما يُمْكِن يجتمع ساكِنان نعم، ما يمكن يجتمعا وش السبب؟ لأنَّ السكون والحَرَكة نَقِيضَان فلا يمكن يجتَمع شيء ساكِن وساكن، فإذًا لا بُدّ مِن أن نَعْمَل عمَل يفُكَّنا مِن اجتماع السَّاكِنَين ما هو العَمَل؟ العمل إن كان الحرفُ صحِيحًا اللي قَبْل السَّاكِن اش نَعْمَل فيه؟ نكْسِرُه إذا كان الحرف الذي قبل الساكن صحيحًا كسرنَاه وإن كان الحرفُ غير صحيح حرف لين فإننا نحذِفُه قال ابنُ مالك:
إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَق وإنْ يـــَـكُن لـــينًا فَحَــــذْفَه اسْتَحَقّ
فهنا الساكِن الأول الواو حَرف لين ولَّا صحيح؟
الطالب: حرف لين.
الشيخ : إذًا نحذِفُه فتلتَقِي اللام مع النون لَيَقُولُنَّ فصار عندنا الآن في هذا الفعل عندنا حَذْفَان حَذْفُ النُّون عَلِّلْ: لِتَوالِي الأَمْثَال، حَذْفُ واوِ الرفع، لِالْتِقَاء السَّاكِنَين وعلى هذا يقول المؤلف: " حُذِفَ منه نونُ الرَّفْع، لِتَوالي الأمثال وواوُ الضمير لالتقاء الساكِنَيْن " طيب مَا إعرابُ قوله: (( اللهُ )) لَيَقُولُنَّ اللهُ؟ فاعِلٌ لِفعلٍ محذوف التقدير: خَلَقَهُنَّ الله ويَدُلُّ لذلك قولُه تعالى: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ))[الزخرف:9] لَيَقُولُنَّ: خلقَهُنّ، فذكَرَ اللهُ تعالى الفِعْل، إذًا فَهنا المحْذوف ايش؟
الطالب: فعل.
الشيخ : الفعل؟ نعم، هل يَصِحّ أن نقول إنَّ المحذوف اسْم التقدير هو الله؟ يصِح لكن خِلَافُ الأَوْلى، لأَن السؤال مُعَارِض للجواب والسُؤال بلفظ الفِعْل (مَنْ خَلَق؟) فيقتضي أن يكُون الجواب كالسُّؤال بالفِعْل (خَلَقَهُنَّ) كذا؟ ....
قال الله تعالى: (( قُلِ الحَمْدُ للهِ )) (قُل) يعني إذا أَقَرُّوا واعْتَرَفُوا (قُلِ الحمدُ لله) (الحمد) مُبْتَدَأ و(لله) خَبَرُه، الحمدُ لله على ايش؟ على ظُهُورِ بيَانِ الحُجَّة وظُهُورِ الـمَحَجَّة الآن هم اعْتَرَفُوا بماذا؟ بأنهم على ضَلَالٍ في شِرْكِهم فـ(الحَمْدُ لله) هنا على بَيَان الحُجَّة وإظْهَارِهَا وأنهم خُصِمُوا بذلك، لأنَّهم إذا أقرُّوا واعترَفُوا أن خَالِقَ السماوات والأرض هو الله وأنَّ هذه الأصنام لا تَخْلُق فقد أقَرُّوا على أنفُسِهم بماذا؟ بأنَّ هذه الأصنامَ لا تَسْتحِقُّ العِبَادة ولهذا (قلِ الحمدُ لله)، كما أنَّ الحمد أيضا هنا ممكن أن نقول مع ذَلك الحمدُ لله على خَلْقِ السماوات والأرض أنه يُحْمَد على أنَّه الخَالِق عز وجل دُونَ غيرِه فيُحْمَدُ على مَا لَه مِن صِفَاتِ الكمال ومِن جَمِيلِ الأفعَال يقول: " الحمدُ لله على ظُهورِ الحُجَّةِ عليهم " (الحمدُ) تقدَّم هنا مرارًا وتَكْرارًا بأنَّه هو وصْفُ المحمودِ بالكَمَال مع الـمَحَبَّة والتَّعْظِيم، واللام في قوله: (لله) اللام لِلاسْتِحْقَاق والاخْتِصَاص، الاستحقاق، لأنه هو الـمُسْتَحِقُّ لِلحمد كما قَال النبيُ عليه الصلاة والسلام: ( أَهْلَ الثَّنَاءِ والْمَجْدِ )، ثانيًا للاختصاص، لأنَّ الذي يستَحِق ُّالحمدَ الـمُطْلَق مَنْ هو؟ هو اللهُ عز وجل نعم.
(( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) (بل) هنا للإِضراب الانتِقَالِي وليست لِلإضْرَابِ الإِبْطَالِيّ فهو انتقَالٌ مما سبق للتَسْجِيلِ عليهم بالجَهْل التام ولِهذا قال: " (( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) وُجوبَه عليهم يعني التوحِيد " وإنما نَفَى العِلْمَ عنهم لِمَاذا؟ لِانتفاءِ فائدتِه، والشَيْء قد يُنْفَى لِانْتِفَاء فائدتِه قال الله تعالى: (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا - (سمعنا) يسْمَعُون بآذَانِهم- وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ )) نَفَى السمعَ عنهم، لانتفاءِ فائدتِه بالنسبةِ إليهم، فقولُه: (بل أكثرُهم لا يعلمون) نَفَى العِلْم عنهم -وإن كان هذا هم مُقِرُّونَ بأَنَّ الله هو الخالِق لكنَّهم لم ينْتَفِعُوا بهذا العِلْم، وأيُّهُما أشَدُّ قُبْحًا جاهلٌ لا يَدْرِي وعَالِـمٌ لَم يَنْتَفِعْ؟
الطالب: الأخير.
الشيخ : الأَخيرُ أشَدّ وأقْبَح، لأنَّه جاهِلٌ مُرَكَّب وذاك جاهِلٌ بَسِيط، ولِأنَّه مُعَانِد مُسْتَكْبِر وذاك ضَالّ ضَالٌّ غير مُعانِد، والجهْل الـمُرَكَّب أشَدّ قُبْحَا، والعِنَادُ عن عِلْم أشَدُّ مِن العِنَادِ عَن جَهْل، يَقُول الشَّاعر بيتين:
ومَن رَامَ العُلُومَ بِغير شَيْخٍ يَضِــلُّ عن الصِّــــــرَاطِ المسْتَقِــــــيــمِ
وتَلْتَبِسُ العُلُوم عليه حَـتى يَكُونَ أَضَلَّ مِن (تَوْمَا) الحَكِــيمِ
تَومَا جَاهِل مُرَكَّب يُسَمُّونه الحَكِيم لكن هو غَرَّهُ أنهم سمّوه الحكيم وبدأ يَفْتي في كل شيء، حتى أفْتَى بِأنه مَن تصَدَّقَ على إنسانٍ بابنَتِه فإنه يَدْخُل الجنة، قال: تَصَدَّق -البيت الثالث-:
تَصَـدَّقَ بِالبَنَاتِ على رِجَالٍ يـــُـرِيدُ بـِـــذَاك جَـــــنَّــــــاتِ النَّــــعِــــــيـــــــمِ
... أنت مُحْتَاج إلى الزَّواج شابّ ولا عندك مَهْر ولا شَيء فلو أعطاك يكون مِن الصدقة، نعم، هكذا يقولون ... الجهل يمكن يقِيس بِعَقْلِه يقول: بدَل ما أعْطِيه دراهم ويروح يَخْطب نَقْطَع الطريق يقول: هذي بِدُون دَرَاهم.
الطالب: ... مركب وبسيط
الشيخ : المرَكَّب والبَسِيط اسمعْه في البيتين الآتيين: (قالَ حمارُ الحَكِيم) تَوْمَا أمَا قال: أضَلّ مِن تَوْمَا الحَكِيم؟
قَالَ حِمَارُ الحَكِيمِ تَوْمَا لَو أَنْصَفَ الدَّهْرُ كُنْتُ أَرْكَب
لِأَنَّنِي جَـــــاهِــــلٌ بَسِيــــطٌ وَصَـــاحِـــــبِي جَـــاهِـــلٌ مُـــــرَكَّــــب
عَرَفْتَ الفَرْق الآن؟
الطالب: اي معروف.....
الشيخ : الحمار يقول: أنه جاهِل بسيط وصاحبُه اللي هو تَوْمَا جاهِل مُرَكَّب، الجاهِل هو الذي لا يَدْرِي أنَّه جَاهِل، جاهلٌ ولا يدْرِي أنه جَاهِل هذا مُرَكَّب، والبسيط هو الجَاهِل الذي يعلم أنّه جاهِل، ويَتَّضِحُ بالمثال قال لك قائلٌ: متى كانت غَزْوَةُ بَدْرٍ؟ فقلت: لا أدري. وش يُسَمَّى هذا؟
الطالب: بسيط.
الشيخ : هذا جاهل بسيط الإنسان لا يدري وعَرف أنَّه لا يدري وقال ما أدري، وقال رجلٌ لِآخَر: متى كانت غزوة بدر؟ قال الحمدُ لله الذي فَتَح على الجَاهِلِين كانَتْ غزوةُ بدرٍ في جُمادَى الآخِرَة سَنَة تِسْعٍ مِن الهجرة. وش تقول لهذا؟
الطالب: هذا جاهل مُرَكَّب.
الشيخ : الآن هو جَاهِل وهو لا يَدْري أنَّه جَاهِل نعم، ولِهذا استَفْتَحَ بِقولِه: الحمدُ لله الذي فَتَح على الجَاهِلين. فيقال: أنت ما فَتَحَ الله عليك، لأنَّك جَاهِل.
الطالب : أنا مَقْصَدي مُرَكَّب وش معناها؟
الشيخ : آا مُرَكَّبٌ مِن جَهْلَيْن جهْلِه بالواقِع وجهلِه بحالِه.
الطالب: هذا اللي أبْغَاه ....
الشيخ : الجاهِل المركب لأنه جاهلٌ بالواقِع وجاهِلٌ بالحَال، واضِح؟
الطالب: اي نعم.
واحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَم جَوَابَ مَا أَخَّــــــــرْتَ فـــهو مُـــــلْتَزَم
وقولُه: (( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ )) يعني الرسول عليه الصلاة والسلام أو مَن يتَأَتَّى خِطَابُه؟ يحتَمِل هذا وهذا، نعم، (ولئن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) هذا هو صِيغَةُ السُؤَال مَن خَلَقَ السماوات والأرض؟ خلَقَها اللَّات؟ العُزَّى؟ مَنَاة؟ هُبَل؟ مَن؟ الجواب؟
الطالب: الله.
الشيخ : (( لَيَقُولُنَّ اللهُ )) هم يعتَرِفون بأنَّ خالِقَ السماوات والأرض هو الله عز وجل، وقولُه: (لَيَقُولُنَّ) هي جوابُ القسم " حُذِفَ منه نُونُ الرَّفْعِ، لِتَوَالِي الأَمْثَالِ " ووَاوُ الضمير لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْن أصلُه (لَيَقُولُونَنَّ) هذا أصلُه (لَيَقُولُونَنَّ) صح؟ لأن هذا فعل مضارع مِن الأفعال الخمسة لا بُد فيه مِن الواو والنون فنقول: لَيَقُولُونَ حُط نون التوكيد معهن (لَيَقُولُونَنَّ) اجْتَمَع عندنا الآن ثلاث نُونَات كلهن زائِدَات نعم، نضْرِب بينهم قرعة أو نَفْصِل بينهم بِحُكْم؟ نفصِل بينَهُنَّ بِحُكْم نقُول: إنْ حذَفْنا نون الرفع بقيت نُونُ التوكيد وإنْ حذفْنَا نون التوكيد بقِيَت نون الرفع فأيُّهُما؟ نَحْذِف نون الرفع، لِسَبَبَيْن السببُ الأول أنَّ نون الرفع اعْتِيدَ حذفُها فيما إذا كان الفعلُ منصُوبًا أو مجزُومًا صح ولَّا لا؟ بل إنَّها قد تُحْذَف في غيرِ حالَتَي النَّصْب والجزْم تُحْذَف للتَّخْفِيف كما في قولِ الرسول عليه الصلاة والسلام: ( والله لا تدخُلُوا الجنة حتى تُؤْمِنُوا ) ( والله لا تدخُلُوا الجنة ) لا تدْخُلوا هذي ما فِيها لا ناصِب ولا جازم حُذِفَتْ لِلتَّخْفِيف وأصله؟ لا تدْخُلون الجنة فحُذِفَتَ النون للتخفيف، وتحْذَفُ النون أيضًا مع نُون الوِقَاية كثيرًا، إذًا فهْيَ أَحَقُّ بالحذف فتبقى نُون التوكيد، لأننا لو حذفْنَا نُون التوكيد فاتَ المقْصُود ونحن نريدُ أن نُؤَكِّد الفعل، وتأكِيدُ الفعل هنا -ونحن قد بحثنا في دَرس جديد في النحو- توكيد الفعل هنا واجب ولَّا غير واجِب لَيَقُولُنَّ؟
الطالب: واجب
الشيخ : واجب، لأنه مُثْبَت لِقَسَم مُسْتَقْبَل
الطالب: غير مفصول.
الشيخ : غيرُ مَفْصُول، نعم لم يُفْصَل بين لامِه وبين فعلِه فيكون توكيدُه واجبًا، طيب إذًا نُبقي النون فإذا قالت نونُ الرفع: أبقونا جَمِيعًا نصير جَمِيعًا (لَيَقُولُونَنَّ) .. ؟ نقول: ما يمكن، لأن نون الرفع زائدة ونُون التوكيد زائِدة فلا يمكن يجتمع عندنا ثلاثَة حُرُوف كلها زائدة في مكانٍ واحد نعم، عسانا نَتحَمَّل حرْف أو حرْفين إذًا نقُول لا بُد مِن حَذْف إحْدَاك وأنت يا نون الرفع أَوْلَى بالحذف امشي، تجي على الواو مع نون التوكيد الواو .. ساكِنة تقُولُوا ساكِنة ونُون التوكيد مُشَدَّدَة فالحرف الأول منها ساكِن نعم، اجْتَمَع ساكِنَان ما يُمْكِن يجتمع ساكِنان نعم، ما يمكن يجتمعا وش السبب؟ لأنَّ السكون والحَرَكة نَقِيضَان فلا يمكن يجتَمع شيء ساكِن وساكن، فإذًا لا بُدّ مِن أن نَعْمَل عمَل يفُكَّنا مِن اجتماع السَّاكِنَين ما هو العَمَل؟ العمل إن كان الحرفُ صحِيحًا اللي قَبْل السَّاكِن اش نَعْمَل فيه؟ نكْسِرُه إذا كان الحرف الذي قبل الساكن صحيحًا كسرنَاه وإن كان الحرفُ غير صحيح حرف لين فإننا نحذِفُه قال ابنُ مالك:
إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَق وإنْ يـــَـكُن لـــينًا فَحَــــذْفَه اسْتَحَقّ
فهنا الساكِن الأول الواو حَرف لين ولَّا صحيح؟
الطالب: حرف لين.
الشيخ : إذًا نحذِفُه فتلتَقِي اللام مع النون لَيَقُولُنَّ فصار عندنا الآن في هذا الفعل عندنا حَذْفَان حَذْفُ النُّون عَلِّلْ: لِتَوالِي الأَمْثَال، حَذْفُ واوِ الرفع، لِالْتِقَاء السَّاكِنَين وعلى هذا يقول المؤلف: " حُذِفَ منه نونُ الرَّفْع، لِتَوالي الأمثال وواوُ الضمير لالتقاء الساكِنَيْن " طيب مَا إعرابُ قوله: (( اللهُ )) لَيَقُولُنَّ اللهُ؟ فاعِلٌ لِفعلٍ محذوف التقدير: خَلَقَهُنَّ الله ويَدُلُّ لذلك قولُه تعالى: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ))[الزخرف:9] لَيَقُولُنَّ: خلقَهُنّ، فذكَرَ اللهُ تعالى الفِعْل، إذًا فَهنا المحْذوف ايش؟
الطالب: فعل.
الشيخ : الفعل؟ نعم، هل يَصِحّ أن نقول إنَّ المحذوف اسْم التقدير هو الله؟ يصِح لكن خِلَافُ الأَوْلى، لأَن السؤال مُعَارِض للجواب والسُؤال بلفظ الفِعْل (مَنْ خَلَق؟) فيقتضي أن يكُون الجواب كالسُّؤال بالفِعْل (خَلَقَهُنَّ) كذا؟ ....
قال الله تعالى: (( قُلِ الحَمْدُ للهِ )) (قُل) يعني إذا أَقَرُّوا واعْتَرَفُوا (قُلِ الحمدُ لله) (الحمد) مُبْتَدَأ و(لله) خَبَرُه، الحمدُ لله على ايش؟ على ظُهُورِ بيَانِ الحُجَّة وظُهُورِ الـمَحَجَّة الآن هم اعْتَرَفُوا بماذا؟ بأنهم على ضَلَالٍ في شِرْكِهم فـ(الحَمْدُ لله) هنا على بَيَان الحُجَّة وإظْهَارِهَا وأنهم خُصِمُوا بذلك، لأنَّهم إذا أقرُّوا واعترَفُوا أن خَالِقَ السماوات والأرض هو الله وأنَّ هذه الأصنام لا تَخْلُق فقد أقَرُّوا على أنفُسِهم بماذا؟ بأنَّ هذه الأصنامَ لا تَسْتحِقُّ العِبَادة ولهذا (قلِ الحمدُ لله)، كما أنَّ الحمد أيضا هنا ممكن أن نقول مع ذَلك الحمدُ لله على خَلْقِ السماوات والأرض أنه يُحْمَد على أنَّه الخَالِق عز وجل دُونَ غيرِه فيُحْمَدُ على مَا لَه مِن صِفَاتِ الكمال ومِن جَمِيلِ الأفعَال يقول: " الحمدُ لله على ظُهورِ الحُجَّةِ عليهم " (الحمدُ) تقدَّم هنا مرارًا وتَكْرارًا بأنَّه هو وصْفُ المحمودِ بالكَمَال مع الـمَحَبَّة والتَّعْظِيم، واللام في قوله: (لله) اللام لِلاسْتِحْقَاق والاخْتِصَاص، الاستحقاق، لأنه هو الـمُسْتَحِقُّ لِلحمد كما قَال النبيُ عليه الصلاة والسلام: ( أَهْلَ الثَّنَاءِ والْمَجْدِ )، ثانيًا للاختصاص، لأنَّ الذي يستَحِق ُّالحمدَ الـمُطْلَق مَنْ هو؟ هو اللهُ عز وجل نعم.
(( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) (بل) هنا للإِضراب الانتِقَالِي وليست لِلإضْرَابِ الإِبْطَالِيّ فهو انتقَالٌ مما سبق للتَسْجِيلِ عليهم بالجَهْل التام ولِهذا قال: " (( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) وُجوبَه عليهم يعني التوحِيد " وإنما نَفَى العِلْمَ عنهم لِمَاذا؟ لِانتفاءِ فائدتِه، والشَيْء قد يُنْفَى لِانْتِفَاء فائدتِه قال الله تعالى: (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا - (سمعنا) يسْمَعُون بآذَانِهم- وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ )) نَفَى السمعَ عنهم، لانتفاءِ فائدتِه بالنسبةِ إليهم، فقولُه: (بل أكثرُهم لا يعلمون) نَفَى العِلْم عنهم -وإن كان هذا هم مُقِرُّونَ بأَنَّ الله هو الخالِق لكنَّهم لم ينْتَفِعُوا بهذا العِلْم، وأيُّهُما أشَدُّ قُبْحًا جاهلٌ لا يَدْرِي وعَالِـمٌ لَم يَنْتَفِعْ؟
الطالب: الأخير.
الشيخ : الأَخيرُ أشَدّ وأقْبَح، لأنَّه جاهِلٌ مُرَكَّب وذاك جاهِلٌ بَسِيط، ولِأنَّه مُعَانِد مُسْتَكْبِر وذاك ضَالّ ضَالٌّ غير مُعانِد، والجهْل الـمُرَكَّب أشَدّ قُبْحَا، والعِنَادُ عن عِلْم أشَدُّ مِن العِنَادِ عَن جَهْل، يَقُول الشَّاعر بيتين:
ومَن رَامَ العُلُومَ بِغير شَيْخٍ يَضِــلُّ عن الصِّــــــرَاطِ المسْتَقِــــــيــمِ
وتَلْتَبِسُ العُلُوم عليه حَـتى يَكُونَ أَضَلَّ مِن (تَوْمَا) الحَكِــيمِ
تَومَا جَاهِل مُرَكَّب يُسَمُّونه الحَكِيم لكن هو غَرَّهُ أنهم سمّوه الحكيم وبدأ يَفْتي في كل شيء، حتى أفْتَى بِأنه مَن تصَدَّقَ على إنسانٍ بابنَتِه فإنه يَدْخُل الجنة، قال: تَصَدَّق -البيت الثالث-:
تَصَـدَّقَ بِالبَنَاتِ على رِجَالٍ يـــُـرِيدُ بـِـــذَاك جَـــــنَّــــــاتِ النَّــــعِــــــيـــــــمِ
... أنت مُحْتَاج إلى الزَّواج شابّ ولا عندك مَهْر ولا شَيء فلو أعطاك يكون مِن الصدقة، نعم، هكذا يقولون ... الجهل يمكن يقِيس بِعَقْلِه يقول: بدَل ما أعْطِيه دراهم ويروح يَخْطب نَقْطَع الطريق يقول: هذي بِدُون دَرَاهم.
الطالب: ... مركب وبسيط
الشيخ : المرَكَّب والبَسِيط اسمعْه في البيتين الآتيين: (قالَ حمارُ الحَكِيم) تَوْمَا أمَا قال: أضَلّ مِن تَوْمَا الحَكِيم؟
قَالَ حِمَارُ الحَكِيمِ تَوْمَا لَو أَنْصَفَ الدَّهْرُ كُنْتُ أَرْكَب
لِأَنَّنِي جَـــــاهِــــلٌ بَسِيــــطٌ وَصَـــاحِـــــبِي جَـــاهِـــلٌ مُـــــرَكَّــــب
عَرَفْتَ الفَرْق الآن؟
الطالب: اي معروف.....
الشيخ : الحمار يقول: أنه جاهِل بسيط وصاحبُه اللي هو تَوْمَا جاهِل مُرَكَّب، الجاهِل هو الذي لا يَدْرِي أنَّه جَاهِل، جاهلٌ ولا يدْرِي أنه جَاهِل هذا مُرَكَّب، والبسيط هو الجَاهِل الذي يعلم أنّه جاهِل، ويَتَّضِحُ بالمثال قال لك قائلٌ: متى كانت غَزْوَةُ بَدْرٍ؟ فقلت: لا أدري. وش يُسَمَّى هذا؟
الطالب: بسيط.
الشيخ : هذا جاهل بسيط الإنسان لا يدري وعَرف أنَّه لا يدري وقال ما أدري، وقال رجلٌ لِآخَر: متى كانت غزوة بدر؟ قال الحمدُ لله الذي فَتَح على الجَاهِلِين كانَتْ غزوةُ بدرٍ في جُمادَى الآخِرَة سَنَة تِسْعٍ مِن الهجرة. وش تقول لهذا؟
الطالب: هذا جاهل مُرَكَّب.
الشيخ : الآن هو جَاهِل وهو لا يَدْري أنَّه جَاهِل نعم، ولِهذا استَفْتَحَ بِقولِه: الحمدُ لله الذي فَتَح على الجَاهِلين. فيقال: أنت ما فَتَحَ الله عليك، لأنَّك جَاهِل.
الطالب : أنا مَقْصَدي مُرَكَّب وش معناها؟
الشيخ : آا مُرَكَّبٌ مِن جَهْلَيْن جهْلِه بالواقِع وجهلِه بحالِه.
الطالب: هذا اللي أبْغَاه ....
الشيخ : الجاهِل المركب لأنه جاهلٌ بالواقِع وجاهِلٌ بالحَال، واضِح؟
الطالب: اي نعم.