فوائد قول الله تعالى : (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) حفظ
ثم قال عز وجل: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ )) في هذه الآية الكريمة دَلِيل على أنَّ المشركين في عَهْد الرسول عليه الصَّلاة والسلام يُقِرُّون بِرُبُوبِيَّةِ الله، لِقولِه: (( لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )).
وفيها أنَّ هذا التوحِيد لا يَنْفَع مَن أَقَرَّ به، لأن هَؤلاءِ المشركين نفعَهم؟ انتفَعُوا بهذا الإِقْرَار ولَّا لا؟
الطالب: لا.
الشيخ : لا، بل لَا بُدَّ مِن أن يُضَافَ إليه تَوحِيد الأُلُوهِيَّة والأسْمَاء والصِّفَات.
ومِن فوائد الآية الكريمة إِثْبَات أنَّ خَالِقَ السَّمَاوَات والأَرض هو الله عَز وجل فإنْ قال قائلٌ: هل المخْلُوق يَخْلُق؟ نقول: لا الـمَخْلُوق لا يُمْكِن أن يخْلُق وخَلْقُ الـمَخْلُوق إنما هو تحْوِيلُ شَيْءٍ إلى شَيْء، يَجْعَلُ الخَشَبَ بَابًا، ويجْعَلُ الـمَدَرَ بَيْتًا وما أشبهَ ذلك، لكن هل يَخْلُق خَشَبَةً لِيَجْعَلَها بابًا؟ لَا، ولَا يَخْلُقُ مَدَرًا ليجعلَه بيتًا، فكُلُّ ما في الإنسان مِن مَصْنُوعَات ومُبْتَكَرَات ومُبْتَدَعَات إنَّما هو تَغْيِير وتحويلٌ مِن شيءٍ إلى شَيء، أما إِيجَاد ذَوَاتِ الأَشْيَاء فهو إلى الله عز وجل، ولهذا يتبَيَّن معنى قولِه: (( خَلَقَ السماواتِ والأرضَ )) وإلَّا فالإنسان يخلُق لكِنْ خَلْقُه ليس معناه إبْدَاعٌ وإيْجَاد إيجادٌ بعدَ عَدَم، ولكنَّه كما أقولُه وأُكَرِّرُه حتى يَتَبَيَّن لَكُم معنى قولِه: (( فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالقين )) فأَثْبَت أنَّ مع الله خَلْقًا لكن هذا الخَلْق لَيس خَلْقَ إِيجَادٍ ولكنَّه خَلْق تَحْوِيل وتَغْيِير في بعض الأشْيَاء حَسَب ما أعطَاه اللهُ تعالى مِن قُدْرَة عِلْمِيَّة وبَدَنِيَّة.
ومِن فوائد الآية الكريمة إِثْبَاتُ أنَّ السماءَ مُتَعَدِّدَة لِقولِه: (( السَّمَاوات )) وقد بُيِّنَ في آية أُخْرى أن عَدَدَها سَبْع (( قُل مَن رَبُّ السَّمَاواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العرْشِ العَظْيمِ * سَيَقُولُونَ للهِ )).
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا أنَّ اعْتِرَافَ الإنسان بالحَقّ مما يُحْمَدُ اللهُ علَيْه، لِقولِه للرَّسُول: (( قُلِ الحمدُ لله )) فإنَّه لا شَكَّ أنَّ إقرار الإنسان واعترافَه بالحَقّ إظْهَارٌ للحُجَّة وإذا ظَهَرَتِ الحُجَّة كان في ذلك مِن الثَّنَاء على الله ما هو أهْلٌ له سبحانه وتعالى.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ أكْثَر هؤلاء المعانِدِين والـمُشْرِكِين كانوا لا يَعْلَمُون إِمَّا لِلْجَهْل وإما لِعَدَمِ الانْتِفَاعِ بِعِلْمِهم، لِقولِه: (( بل أكثرُهم لا يعْلَمُون )).
ومِن فوائد الآية الكريمة أنه ينبغي تَأْكِيدُ الكلام في موْضِع التأكيد، لأنه قال: (( ولئن سألْتَهم لَيَقُولُنَّ )) فَأَكَّدَ الله عز وجل أنهم سيقولون ذلك، لِئَلَّا يقولَ قائِلٌ: هل هؤلاء يُقِرُّونَ بتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّة أو لا يُقِرُّون؟ فبَيَّنَ الله أنَّهم يُقِرُّونَ به وأَكَّدَ ذَلِك، حتى لا يُقَالَ: كيف يُقِرُّون بتوحيدِ الرُّبُوبِيَّة ثم يُنْكِرُون تَوْحِيد الأُلُوهِيَّة. وإلى هُنَا انْتَهى الفوائد.