تفسير قول الله تعالى : (( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير )) حفظ
ثم قال عز وجل مُبَيِّنًا كمالَ قدرته بعد أن ذَكَرَ عُمُومَ مُلْكِه وكمالَ كلماتِه قال: (( مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ))[لقمان:28] خَلْقًا وبَعْثًا لأَنَّه بِكلمَةِ (كن) فَيَكُون " يعني معنى الخَلْق والبَعْث ما خلقُكم جميعًا إلا كَنفْسٍ واحِدَة وما بعثُكم جميعًا إلا كنَفْسٍ واحدة، إذًا الكثْرَة لا تُعْجِزُ اللهَ عز وجل، لأن الكثرةَ عنده والقِلَّة على حدٍّ سَوَاء، الكُلُّ تتعَلَّقُ به القُدْرة وهو كُلُّه سَهْلٌ عليه لِأَنَّه يكونُ بأَيِّ كَلِمة؟ بكَلِمَةِ (كُنْ) فاللهُ عز وجل إذا خَلَقَ السماوات والأرْض لَمَّا خلَقَها هل احْتَاجَ إلى عُمَّال وعَوَامِد؟
الطالب: لا.
الشيخ : لا، بحيث نقول: إذا كان بِنَاءً واسِعًا كانَ أَشَقّ وإذا كَانَ ضَيِّقًا كان أهْوَنَ؟ لا، إنَّمَا هو بكلمة (كُنْ) وما كانَ بكلمةِ (كن) فلا فرقَ بين أن يكونَ كثيرًا أو قليلًا، ولهذا قال اللهُ عز وجل في آية أخرى: (( وما أمر الساعةِ إلا كلمحِ البَصَرِ أو هو أقرَب )) يعني بَل هو أقرَب مِن لَمْحِ البَصَر، وقال تعالى: (( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ))[القمر:50] هذا غايَة ما يكون مِن السُّرَعَة والإِنْجَاز وقال تعالى: (( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ))[النازعات:13-14] كُلُّ هذا يَدُلُّ على كَمَالِ قُدْرَتِه عز وجل، فإن قال قائلٌ: إذا كَانَ الأمرُ كذلك فلماذا خَلقَ السماواتِ في سِتَّة[قطع في الشريط] كيف مَقَامَات الحِكْمة؟ لأَنَّ هذه القُدْرة أو هذا الخَلْق يحتاج إلى أشْيَاء مُقَدِّمَات وأسْبَاب يحصُل بها كَمَالُ الخلْق أليس الله قادِرًا على أن يخْلُقَ الجَنِين في بَطْنِ أمِّه بدون أن يَتَنَاوَلها رَجُل؟ بلى كما حصل في عيسى، ومع ذلك فإنَّ الله تعالى قد جعلَ لهذا أسبابًا: اتِّصَالُ الرجُلِ بالمرْأَة ثم بعد ذلك الجنِين يتطوَّر شيئًا فشيئًا حتى يصِل إلى الغَايَة ثم إذا كان قابِلًا لِأن يخرُجَ إلى الدنيا خَرَج ثم مع ذلك ينْمُو شيئًا فشيئًا ما يأتيه العَقْلُ كَامِلًا دُفْعَة واحدة ولا يأتيه النُمُوُّ دُفْعَةً واحِدَة ولكنه على وَفْقِ الحِكْمَة، فيكون هذا الجواب عمَّا يَرِدُ في الذِّهْن أو يُورَدُ على الـمَرْء لماذا يَخْلُق اللهُ السموات والأَرْض في سِتَّة أيام؟ ولماذا يخلق الجنين في بَطْنِ أُمِّهِ لمدَّة تسْعَة أشْهُر وما أشْبَهَ ذلك؟ فالجواب: أنَّ أفعَالَهُ مقْرُونَةٌ بِحِكْمَة وأنَّه سُبْحَانَه وتعالَى جَعَلَ الأسباب مَرْبُوطَة بمُسَبَّبَاتِها فلا بُدَّ مِن أن يكون هناك سَبَب ويَنْتجَ عنه مُسَبَّب ولا بُدَّ مِن أن يكون هذا السَّبَب مُطَابِقًا مُوَافِقًا حتى يَتِمَّ الخَلْقُ على التَمَام (( إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ))