تفسير قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير )) حفظ
ثم قال تعالى: (( أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارِ فِي اللَّيلِ )) إلى آخرِه الهمْزةُ هنا للاسْتِفْهام التَّقْرِيرِيّ، فمعنى (ألم ترَ) بمَعنى (قد رَأَيت) فهو يُقَرِّرُ سبحانَه وتعالى هذه القَضِيَّة الـمُشَاهَدَة المعْلُومَة لِكُلِّ أَحَد، والخطابُ في قولِه: (ترَ) إمَّا للرسولِ عليه الصلاة والسلام أو لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ للخِطَاب، والمعنى الثاني أشْمَل وأَعَمّ فتكون شَامِلَة لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَه لخِطَاب: ألم ترَ أيها الرائِي الـمُخَاطَب " (( أنَّ اللهَ يُولِجُ )) يُدْخِلُ (( الليلَ في النَّهَارِ ويولِجُ النَّهَارَ )) يُدْخِلُه (( فِي اللَّيل )) " وهذا الإِيلَاجُ والإِدْخَال لا يكونُ إلا بِقُدْرَةٍ عَظِيمَة، وكيف الإيلاج يُولِجُ الليل في النهار ويولِجُ النهار في الليل هل الـمُراد إِقْبَالُ الليْل وإقبَالُ النهار لأنك تَرَى الليلَ إذا أَقْبَل نعم، يدْخُل سَوَادُه في النهار يدْفَعُ النَّهَار يَطْرُدُه وترى النَّهار أيضًا إِذَا أَقْبَل يَلِجُ في اللَّيْل فيَطْرُدُه فيكونُ هذا عِبَارَةً عن تَقْرِير طُلُوعِ الفَجْر وش بَعْد؟ وإِقْبَالِ الليل، وقد أقسم الله تعالى بذلك في القرآن الكريم: (( واللَّيلِ إذْ أَدْبَرَ * والصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ )) ولا يُقْسِمُ بشيءٍ مِن الـمَخْلُوقَات إلا لِعِظَمِه، يكون معنى الإِيلَاج الإدخال بِه الإدخال اللي بالنهار أو بالعَكْس متى؟ عند كُلِّ صَبَاح وعند كُلِّ مَسَاء، طيب هذا وَجْه، أو أَنَّ المعنى يُولِجُ الليل في النهار بمعنى أنَّه يزدَادُ النهارُ مُدَّةً حتى يدْخُل في اللَّيل ويزداد الليل مُدَّة حتى يدْخُل في النهار، يعني يطُول النهار فإذا طَال أخَذ مِن الليل فمعنى الإيلاج أنه دَخَلَ عليه، ويطول الليل فإذا طَال أخَذ مِن النهار فيكُون قد دَخَلَ عليه واخْتَلَسَ منه، هذا أيضًا معنًى لِكلِمَةِ الإيلاج وكلاهُما معنًى صحِيح، ففي إقبالِ الليل وإدبارِه آيةٌ عظِيمَة مِن آياتِ الله، وفي كَونِ هذا يَزِيد وهذا يَنْقُص أيضًا آيةٌ مِن آياتِ الله عز وجل، لأَنَّ الخلْق لو اجتمعوا كُلُّهم على أن يَأْتُوا بالليلِ في النهار أو بالنهارِ في الليل ما يسْتَطِيعُون، لو اجتمَعُوا كلُّهم على أن يزِيدُوا في النَّهَار دقِيقَة واحِدة أو في الليلِ دقِيقَة وَاحِدة يستطِيعُون ولَّا لا؟ ما يستطيعون مهْمَا أُوتُوا مِن قُوَّة، إذًا فهذا دَلِيل على كَمَالِ قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وجَل، ثم إنَّ في إيلاجِ الليل بالنهار على المعْنَي الثاني اللي بالعكس فيه دَلِيلٌ على رَحْمَةِ الله، لأَنَّ تَنَاوُب الليل والنَّهار بالزِّيادَة والنقص فيه مَصْلَحَة عَظِيمَة جِدًّا، لأَنَّ الليل إذا طَال حَصَلَ البَرْد والشِّتَاء وظَهَرَت أشْجَارُ الشِّتَاء ومَاتَتِ الحَشَرَات التي قد يكون بقائُها ضارًّا لِلإنسانِ والنَّبَات، وكذلك إذا ازْدَاد النهار ازْدَادَ الحَرّ فنَبَتَتِ الثِّمَار وزالَ البُّخَار مِنَ الأَرْض، وماتَت بذلك حَشَرَات كَثِيرَة مِن أجْلِ الحَرّ لو أنها بَقِيَتْ وتَنَامَتْ لأَضَرَّتْ بالنَّاس، فيكون هذا فِيه أيضًا دَلِيل على كَمَال الحِكْمَة والرَّحْمَة مع القُدْرَة، نعم.
قَال:(( ويولِجُ النَّهَارَ في اللَّيلِ )) نعم يقول المؤلف: " (( يُولِجُ )) يُدْخِلُ الليلَ في النهار (( ويُولِجُ النَّهَارَ )) يُدْخِلُهُ (( فِي اللَّيْل )) فيزيدُ كُلٌّ منهما بما نَقَصَ مِن الآخَر (( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ )) " أي ذَلَّلَهُمَا لِأَيِّ شَيْء؟ لِمَصَالِحِ العِبَاد والدليلُ على ذلك قولُه تعالى في الآية العامة الشاملة: (( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ))[الجاثية:13] سَخَّرَ لَكُم (لَكُمْ) شوف كلمة (لَكُم) إذًا كُلُّ مَا ذُكِرَ مِن تَسْخِيرٍ في الكَوْن فهو لِبَنِي آدَم ولهذا يُقَالُ في بعض الآثَار: ( يا ابْنَ آدَم خَلَقْتُكَ مِن أَجْلِي وخَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِن أَجْلِك ) ... (( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) ويَقُول: (( هُوَ الذِّي خَلَقَ لكم ما فِي الأرْضِ جَمِيعًا )) (( وسَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَاواتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ )) (لَكُم) طيب (( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ )) أي ذلَّلهما لِمَصَالِحِ العباد وذَكَرَ الشَّمْسَ والقَمَر بعد ذِكْرِ اللَّيْل والنهار، لأَنَّ الشمسَ آيةُ النَّهَار والقَمَر آيةُ اللَّيْل، لِقولِه تعالَى: (( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ -وَهُو القَمَر- وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ))[الإسراء:12] ولِذَلِك القَمَر مَا فِيه نُور مَمْحِيّ إِنَّما يَسْتَفِيدُ نُورَه مِن الشَّمْس كُلَّما قابلَها ازْدَادَ نُورُه فإذا تمَّتِ المقابَلَة بَيْنَه وبين الشمس في لَيَالِي الإدْبَار كَمُلَ نورُه ثم كُلَّمَا ضَعُفَتِ الـمُقَابَلَة ضَعُفَ النُّور نعم .
الطالب: .....
الشيخ : كلٌّ صالِح، لأن كُلّه إِيلَاج
الطالب: كيف إيلاج؟
الشيخ : لأَنَّ النَّهَار يَسْبِقُ اللَّيل أم أنَّه إذا قَدَّرْنَا أَنَّنا الآن في تَسَاوِي اللَّيْل والنَّهَار كَم اللَّيْل؟
الطالب: اثنَا عَشر.
الشيخ : والنَّهَار؟
الطالب: اثنا عشر.
الشيخ : طيب يطُول النهار فيَكُون تَلَتطَّعْشَر سَاعَة ويَكُون الَّليل
الطالب: حِدَاعْش.
الشيخ : حِدَاعْش إِذًا دَخَل النَّهَار في اللَّيل أي في زَمَنِ الليل
الطالب: يعني فَجْرًا في زمن الليل.
الشيخ : في زَمَن الليل وكذلِك بالعَكْس نَعْم " (( وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ )) مِنْهُمَا (( يَجْرِى )) فِي فَلَكِه (( إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )) هُو يَوْمُ القِيَامَة " (كُلٌّ يَجْرِي) (كُلٌّ) هذا التَّنْوِين يقول النَّحْوِيُّون: إِنَّه عِوَضٌ عن مَحْذُوف عَن كَلِمَة يعني كُلُّ وَاحِد مِن الشَّمْس والقَمَر يَجْرِى إلى أَجَلٍ مُسَمَّى، العَجِيب أنه .. رُوِيَ عن ابنِ عباس رَضِىَ الله عنهما قال: ( إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ يَجْرِيَانِ فِي فَلَكِهما فِي النَّهَارِ وَيَجْرِيَانِ فِي فَلَكِهِمَا تَحْتَ الأَرْضِ فِي اللَّيْلِ ) وهذا يَدُلّ على أَنَّ ابْنِ عَبَّاس يَرَى أنَّ الأَرْضَ كُرَوِيَّة لأَنَّه إِذَا صَارَ يَجْرِى تَحْتَ الأَرْض فَمعنَاه أَنَّهَا كُرَوِيَّة وهِي كَذَلِك، لَأَنَّ الشَّمْس والقَمَر في اللَّيْل يَجْرِى تَحْت الأَرْض كَمَا قَالَ رضي الله عنه
الطالب: ...
الشيخ : أَرْضُنَا هَذِه أرضنَا هذه تَكُونُ تَحْت.
الطالب: الأراضين.. السِتَّة الباقية ..
الشيخ : أي نعم السِتَّة الباقية تحتنا يعني الأَرْض طَبَقَات مثل السماء طَبَقَات بَعْضُهَا فَوقَ بَعْض، أَلَمْ تَرَ إِلَى البَيْضَة فِيهَا القِشْرَ الأَعْلَى ثم القِشْرَ الثاني السِلْ الَّذِي يَلِيه البَيَاض ثم البَيَاض ثُمَّ قِشْرة رَقِيقة ثُمَّ الأَصْفَر والأَصْفَر أيضًا طَبَقَات، الأَرْض مِثْل البَيْضَة .. كذلك أيضًا السَّمَاوَات نفْس الشَيْء طَبَقَات مُكَوَّرَة.
الطالب: .... ما هي مُنْفَصِلة عن بعض
الشيخ : عاد هَذا فيه اخْتِلَاف بعْضِ العُلَمَاء يَقُولون: بينهم فَصْل وهَوَاء يعني مِثْل ما أَنَّ السَّمَاوات بينها هَوَاء وفَصْل، وبَعْضُهُم يقُول: ما بينها فَصْل