تفسير قول الله تعالى: (( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )) حفظ
" ثم قال تعالى: (( ولو ترى إذ المجرمون - الكافرون " ناكسوا رءوسهم عند ربهم )) مطأطئوها حياءً يقولون: ربنا أبصرنا ما أنكرنا من البعث، وسمعنا منك تصديق الرسل فيما كذَّبناهم فيه فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحا فيها إنا موقنون الآن " نعم (( ولو ترى إذ المجرمون )) الخطاب في قوله ولو ترى إما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإما إلى كل من يتوجه إليه الخطاب، وهذا المعنى أعم والأخذ به أولى لعمومه إلا أن يمنع منه مانع ولهذا الخطابات التي تأتي للمفرد في جميع القرآن الأولى أن تحمل على العموم، وأن يراد بها كل من يتوجه إليه الخطاب إلا إذا منع من ذلك مانع فتكون خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (( لو ترى )) لو هذه شرطية ولو الشرطية تحتاج إلى جواب، يعني إلى شرط وإلى جواب الشرط، فالشرط قولهم: ترى والجواب محذوف تقدير لرأيت أمرا فظيعا نعم.
وقوله: (( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم )) إذ هذه ظرف يعني لو ترى ذلك الوقت الذي فيه المجرمون على هذا الوصف لرأيتً أمرا فظيعاً (إذ المجْرِمون) مبتدأ، و(ناكسوا) خبر، وأين النون التي في ناكسوا؟ حذفت لأجل الإضافة نعم، ناكسوا رءوسهم أي مطأطئوها يعني خافضوها والعياذ بالله، نعم.
(( عند ربهم )) يعني عند الله عز وجل وهم بين يديه يوم القيامة ولكن ناكسوها يقول المؤلف: حياءً وفي النفس من هذا التفسير شيء ولكن الظاهر أنهم ناكسوها ذلاً نعم وخضوعاً لسلطان الله بدليل قوله: (( ربنا أبصرنا )) أما حياءً فالحياء محمود الحياء محمود لكن كونهم ناكسوها ذلاً نعم هذا هو الواقع ناكسوا رءوسهم عند ربهم ذلاً كما قال تعالى: (( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ))[الشورى:45] طيب.
(( عند ربهم يقولون ربنا أبصرنا )) فجملة (ربنا أبصرنا) مقول لقول محذوف تقديره يقولون ربنا أبصرنا يعني يا ربنا وندعو الله تعالى باسم الربوبية لأن الغالب أن الجمل الدُعائية تأتي مصدرة برب لأن رب هو المالك المطلع، (( ربنا أبصرنا )) قال المؤلف: "
ما أنكرنا من البعث " هذا ما قاله المؤلف، وعليه فيكون مفعول أبصرنا محذوف التقدير: ما أنكرنا البعث ويحتمل أن أبصرنا هنا أي حَضَرت أبصارنا وبصائرنا فيكون أعم مما قدره المؤلف يعني صرنا ذوي بصر وبصيرة الآن فيكون أعم، يعني كأنه يقول الآن صِرْنا ذوي بَصَر وبصيرة وهذا المعنى أعمّ وأبلغ، وكذلك (( سمعنا )) يقول المؤلف: سمعنا منك تصديق الرسل فيما كذبناهم فيه لأن الله تعالى يقول: (( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون )) ولكن أيضاً هذا الذي قال المؤلف لنا فيه وجه أحسن مما قال فيكون معنى سمعنا أي كنا ذوي سمع الآن ولهذا يقولون: (( لو كنا نسمع -يعني فيما وراء- أو نعقل )) ما كنا في أصحاب السعير، أما في يوم القيامة فيقولون: نعم الآن صرنا ذوي بصر وصرنا ذوي سمع فارجعنا نعمل ارجعنا إلى الدنيا وهو فعل طلب أي دعا وليس فعل أمر لأن المخلوق لا يوجه أمراً إلى الخالق، وقوله نعملْ هذا جواب الطلب جُزِم بجواب الطلب يعني إن ترجعنا نعمل صالحاً، وقوله: نعمل صالحا يعني عملاً صالحاً والعمل الصالح تقدم كثيرا أنه ما جمع شرطين هما: الإخلاص لله عز وجل والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو العمل الصالح، نعمل صالحا يقول فيها إنا موقنون الآن فما ينفعهم ذلك ولا يُرجعهم، معلوم ما ينفعهم إذا شاهدوا العذاب فإن الإيمان لا ينفعهم، كل من شاهد العذاب فإنه لا ينفعه الإيمان، (( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ))[غافر:84] قال الله تعالى (( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ))[غافر:85] وما أحد نفعه إيمانه بعد أن رأى العذاب إلا قرية واحدة قوم يونس لما آمنوا كشف الله عنهم العذاب، طيب ولهذا قال الله تعالى: (( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ))[النساء:18] له توبة الآن؟ لا شاهد العذاب فلا ينفعه ولهذا يجب على الإنسان أن يبادر عمره قبل أن يحل به أجله فلا يستطيع الخلاص نعم (( فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )) أتوا بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار، إنا موقنون، متى؟ الآن لكن ما ينفع، لكن ما رأيكم لو ردوا فماذا يكون الأمر ؟
الطلبة: لعادوا لما نهوا عنه.
الشيخ : لعادوا لما نهوا عنه (( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ))[الأنعام:27] (( بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ- هذا خبر الله الذي لا يخلف- وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ))[الأنعام:28]
الطالب:...أنه لو رد لعاد.
الشيخ : ما أدري ما دام الله يقول هذا الكلام ما بعد كلام الله كلام (( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ))[الأنعام:27-28]