تفسير قول الله تعالى : (( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون )) حفظ
(( وأما الذين فسقوا - بالكفر والتكذيب- فمأواهم النار )) والعياذ بالله، مأواهم أي مرجعهم النار يخرجون منها؟ لا.
(( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) أعوذ بالله كلما أرادوا أن يخرجوا منها يُمَنّون بالخروج ترتفع بها إلى أن يقربوا من أبوابها ثم بعد أن يتمنون الخروج ويُريدونه يعادون فيها وهذا أشد والعياذ بالله في التعذيب ولّا لا؟ لو فرضت أنك محبوس في مكان فقيل لك: تعال تعال ثم إذا قربت من الباب رَدّك أيُّ هذا أو أن تبقى في حجرة الحبس أيهم أشد؟ أن تبقى في الحجرة أشد؟ أيهما أشد؟
الطالب: الأول.
الشيخ : أي نعم أن يُقرب من الباب ثم إذا أراد أن يخرج قيل له: ارجع، لأن والعياذ بالله إذا فعل هكذا صار كأنه يُحبَس عدة مرات، لأن من أشرف على الحياة ثم عاد إلى الموت صار ذلك موتا آخر، فتكون إعادته إلى محبسه تكون حبسًا ثانيًا هكذا أهل النار والعياذ بالله يُمنون الخروج وكلما أرادوا أن يخرجوا أعيدوا فيها، نعم وقيل لهم أيضا توبيخا:
(( قيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون )) فيجتمع عليهم والعياذ بالله يجتمع عليهم العذاب الجسمي والعذاب القلبي، الجِسْمِيّ مِن أين؟ مِن النار والعياذ بالله (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها )) والقلبي؟ مِن هذا التوبيخ (( ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون )) وش حَسْرَة الإنسان عندما يقال له هكذا؟ ألا يتحَسَّر ويقول: ليتني ما كذبت كيف أكذب نعم، يتمنى، يكون هذا والعياذ بالله فيه من التوبيخ والتنديم وإدخال الحسرة ما هو ظاهر ولهذا قال سبحانه وتعالى في آية أخرى: (( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ))[البقرة:167] الآن نحن إذا فاتنا شيء بقضاء الله وقدره وهو مما يسرنا هل الواحد يندم ؟ يندم ويقول يا ليتني فعلت ويا ليتني فعلت مع أنه منهي عنه لأن هذا يفتح عمل الشيطان يفتح باب الندم أو الاعتراض على القدر، ولهذا نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عنه فالمهم أن هذا التوبيخ يكون عذاباً ايش؟ قلبيا، وأما كونهم يرددون كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها فهو عذاب جسمي بدني فهم دائمون والعياذ بالله في عذاب وحسرة وندم (( لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون )) دائمًا وأبدًا ما فيه فترة راحة ولهذا يقولون: (( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ))[غافر:49] شوف والعياذ بالله الخزي والتقاصر ما قالوا ادعوا ربكم يرفع العذاب قالوا: يخفف فقط ولا قالوا يخفف دائما قالوا: يخفف يوما، وهذا يدل على شدة يأسهم لأنهم أُيِّسوا من الرحمة والعياذ بالله، يتمنون ولا لهم وجه على الله أن هم يسألون يطلبون من خزنة جهنم أن يشفعوا لهم إلى الله أن يخفف عنهم يُخفف لا يرفع، يوما لا دائماً يخفف عنا يوما من العذاب ولكن وش تقول لهم الخزنة؟ توبخهم (( قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات )) فيقولون: بلى (( قالوا بلى )) ثم يقولون: إذن نحن برئاء منكم ما نتدخل في الشأن فادعوا أنتم يقول الله عز وجل: (( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )) ضلال ما ينفعهم ولهذا إذا ألحوا على ربهم: (( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ))[المؤمنون:106] (( ربنا أخرجنا منها )) شوف التضرع (( ربنا )) والاعتراف (( غلبت علينا شقوتنا )) نعم و(( كنا قوما ضالين )) هم حكموا على أنفسهم وكل هذا من باب التضرع لأن الإنسان إذا اعتذر لإساءته فإن هذا مدعاة لرحمته لو جاءك واحد يعتذر لذنبه ويعترف بذنبه هذا يوجب إنك ترحمه، فهم يعترفون لعلهم يُرحمون (( ربما أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون )) قال الله تعالى: (( اخسئوا فيها ولا تكلمون )) اخسئوا أي ذُّلوا وكونوا حَقَارَى، نعم ولا تكلمون بأي كلمة حينئذ والعياذ بالله ييئسون من كل خير نسأل الله السلامة ولهذا قال: (( وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ))