تفسير قول الله تعالى : (( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا )) حفظ
ثم قال تعالى ابتداء درس اليوم نأخذ شوية من حصة الحديث
(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ))[الأحزاب :28] (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )) لم يخاطب الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلا بوصف النبوة والرسالة يا أيها النبي ، يا أيها الرسول بينما كان يخاطب غيره من الأنبياء كثيراً بأسمائهم مثل يا موسى يا نوح يا إبراهيم وما أشبه ذلك وأما النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن فلم يخاطبه الله تعالى باسمه يعني لم يقل يا محمد وإن كان جاء ذلك في الأحاديث لكن في القرآن لا (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )) و (( النبي )) مسهل من النبيء بالهمز وقيل إنه غير مسهل وأصل هذا الخلاف هل النبي من النبأ أو من النَبوة ؟ إذا قلنا من النبوة لم يكن فيه تسهيل لأن الياء أصلية وإذا قلنا من النبأ ففيه تسهيل وأصله النبيء فسهلت الهمزة إلى ياء والصحيح أن مشتق من المعنيين جميعاً فإن النبيء مشتق من النبأ لأنه مُنبأ مُنبِئ ومشتق أيضاً من النَبوة لعلو مرتبة النبيين (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ )) الأزواج جمع زوج وهي للأنثى ولا الذكر ؟ زوج في اللغة العربية يطلق على الأنثى والذكر وفيه لغة لكنها رديئة قليلة يقول للمرأة زوجة ولكن هذه اللغة الرديئة القليلة هي التي استعملها الفرضيون فيقول زوج للذكر وزوجة للأنثى من أجل البيان والإيضاح وهذا أمر لابد منه في باب الفرائض (( قُلْ لِأَزْوَاجِكَ )) وهن تسع خمس منهن قرشيات وأربع غير قرشيات وطلبن منه من زينة الدنيا ما ليس عنده طلبن منه نفقة وكسوة وغير ذلك مما تريده النساء من الرجال من الأموال والنبي عليه الصلاة والسلام كما نعلم جميعاً كان قليل ذات اليد لأنه كان ينفق ما عنده ولا يبقي لنفسه شيئاً فطلبن من النفقة وضيقن عليه وآلى منهن شهراً كاملاً اعتزلهن ثم نزل في آخر الشهر فأنزل الله عليه هذه الآية (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا )) إلى آخره (( إن )) شرطية وفعل الشرط كان (( كنتن )) وجواب الشرط (( فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ )) (( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا )) (( الحياة الدنيا )) يعني متعها (( وزينتها )) ما فيها من الأموال والقصور والمراكب وما أشبه ذلك (( فَتَعَالَيْنَ )) فعل أمر وإلا اسم فعل أمر ؟ فعل أمر لأنه تلحقه العلامات فإذا كان تلحقه العلامات فهو فعل أمر ولهذا يقال تعالين ويقال تعالوا إلى كلمة بخلاف هلم فإنها لا تلحقها العلامات فهي اسم فعل (( فَتَعَالَيْنَ )) يعني أقبلن إلي (( أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )) ((أُمَتِّعْكُنَّ )) هذه جواب الأمرالطلب في قوله : (( فَتَعَالَيْنَ )) يعني أعطيكن متاعاً تتمتعن به (( وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )) أي أطْلقكن لأن التسريح ضد التقييد وهذا من الآداب العالية التي أمر الله بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإلا كان مقتضى الحال أن يقول إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أطَلقكن ولا خير فيمن لا تريد إلا الدنيا ولكن من كمال الرعاية (( أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ )) أعطيكن مالاً تتمتعن به (( وأسرحكن )) أطلقكن (( سراحاً جميلاً )) يعني ليس فيه عداوة وليس فيه بغضاء وليس فيه حجر لكنّ بعد ذلك ولهذا لو أن هذا وقع لكان يحل لهن أن يتزوجن بغيره لأن هذا من السراح الجميل إذ لا فائدة من كونها تتسرح من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تبقى محبوسة ولكن الأمر لم يقع (( فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )) كل النساء نعم.