تفسير قول الله تعالى : (( وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما )) حفظ
(( وَالدَّارَ الآخِرَةَ )) أي الجنة (( فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ )) بإرادة الآخرة (( أَجْرًا عَظِيمًا )) أي الجنة وإنما بدأ بالدنيا (( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )) لأنهن كن يطالبن بالنفقة وهي ما يتعلق بالدنيا (( وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ )) وهذا هو الحال الثانية لهن (( فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ )) ولم يقل لكن بل قال للمحسنات فأظهر في موضع الإضمار ليتبين أن هذه الإرادة إحسان وأنهن إذا أردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن ذلك من الإحسان فإن الله أعد للمحسنات منهن أجراً عظيماً و (( من )) هنا ليست للتبعيض ولكنها للبيان فتشمل ما لو أردن كلهن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله يعد لهن جميعاً أجراً عظيما فبدأ أول ما بدأ بأحب نسائه إليه وهي عائشة رضي الله عنها وقال لها ( لا عليك ألا تستعجلي فتستأمري أبويك ) خاف إنها شابة صغيرة أنها تتعجل وتقول أريد الدنيا فطلب منها ألا تتعجل حتى تستأمر أبويها يعني تستأذنهما ومعلوم أن أبويها لا يريدان لها أن تختار الدنيا وزينتها على الله ورسوله والدار الآخرة ولكنها رضي الله عنها كان لها على صغر سنها نظرة بعيدة فقالت يا رسول الله " أفي هذا أستأمر أبوي "يعني هذا أشاور فيه أبوي " لا إنما أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولكن لا تخبر نسائك بما قلت " نعم قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنما بعثت ميسراً لا متعنتاً ولا معنتاً وأي امرأة تسألني فسأخبرها ) لكن كل نسائه ما سألنه كل امرأة تقول " إنها تريد الله ورسوله والدار الآخرة " فصرن على الحال الكاملة رضي الله عنهن على ما كان عليه الرسول الله عليه الصلاة والسلام من شظف العيش وقلة ذات اليد ومع هذا وفقهن الله ومنّ عليهن وهذا بلا شك من عناية الله برسوله أن اختار له مثل هؤلاء النساء فكان جزاؤهن أن الله قال له : (( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ )) فهؤلاء النسوة اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة بعد أن خيرن مع ما في ثواب الآخرة هذا الجزاء الدنيوي أن الرسول منع أن يتزوج بعد ذلك بأحد من النساء أو يبدل واحدة بامرأة جديدة (( وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ))[الأحزاب :52]والله أعلم .