تفسير قول الله تعالى : (( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )) حفظ
(( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )) إلى آخره أولاً : في الإعراب والمعاني البلاغية (( هل ندلكم )) المقصود بالاستفهام هنا السخرية و(( رجل )) نكر (( على رجل )) نكر للتحقير يعني أنه رجل حقير كقوله تعالى عن قوم إبراهيم (( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ))[الأنبياء:36]وهذا على من كذبوا الرسل عموماً (( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ )) وقوله (( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ))[الفرقان:41]فإن هذا للتحقير وقوله (( يُنَبِّئُكُمْ )) تنصب ثلاثة مفاعيل المفعول الأول الكاف والمفعول الثاني والثالث معلق بقوله (( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ )) يقول الله عز وجل عن الكافرين أن بعضهم يقول لبعض على جهة التعجب كما قال المؤلف بل على جهة التحقير (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا )) أي قال بعضهم لبعض فقال بعضهم على جهة التعجب لبعض (( هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ )) هو محمد الاستفهام هنا قلت إنه للسخرية والمؤلف زاد معنى آخر وهو " التعجب " يعني ألا تتعجبون مما سندلكم عليه وقوله (( على رجل )) يقول " هو محمد " لكنهم قالوه بالتنكير على سبيل التحقير لم يذكروه باسمه لأن ذكر الشخص باسمه قد يعني تعلية منزله ولكنهم قالوه بهذا اللفظ المنكر تحقيراً له (( يُنَبِّئُكُمْ )) يخبركم أنكم (( إِذَا مُزِّقْتُمْ )) قطعتم (( كل ممزق )) بمعنى تمزيق (( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ )) هذا المنبأ به يقول (( يُنَبِّئُكُمْ )) أي يخبركم فالنبأ بمعنى الخبر وقد يكون النبأ في الأشياء الهامة والخبر فيما هو أعم فتخبر عن الشيء الهام وعن الشيء الحقير ولكنك لا تنبأ إلا بالشيء العظيم كقوله تعالى (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ))[النبأ1:2]وقال تعالى (( قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ))[ص67:68]فالنبأ قد يستعمل في الأشياء العظيمة بخلاف الخبر فإنه يكون أعم وقوله (( إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )) يقول " إذا قطعتم " وهذا التمزيق يعني تمزيق الأرض في لحوم البشر فإن الإنسان إذا دفن مزقته الأرض وصارت عظامه الصلبة كانت رميمة فهم يقولون إنه (( ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق )) قال المؤلف " بمعنى تمزيق " وعلى هذا فكلمة ممزق لكنها مصدر مميميٌ نعم وقوله (( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ )) هذا هو محل النبأ وهو في محل نصب سد مسد مفعولي (( ينبئكم )) الثاني والثالث وقوله (( إذا مزقتم )) كلمة (( إذا )) هذه ظرفية فهل هي متعلقة بـ(( ينبئكم )) أو متعلقة بشيء محذوف يدل عليه السياق ؟ الأخير لأن إنباء الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في وقت تمزيقهم ولكنه أنبأهم في الحياة الدنيا إنما تمزيقهم إذا دفنوا يعني أنكم إذا دفنتم ومزقتم تكونوا في خلق جديد وهذا الخلق الجديد هو البعث وهل البعث إعادة لما مضى أو ابتداء خلق غير الأول ؟ الصواب أنه إعادة ما مضى كما قال الله تعالى (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ))[الروم:27]ولكنه سمي خلقاً جديداً لأن الإنسان إذا بعث فإنه لا يبعث كحاله في الدنيا بل يبعث في حال أشد وأقوى لأنه سيبعث ، من الكتاب هذا فاكرين ، لا من كتاب التفسير ، لأنه إذا بعث فإنه يكون في حال أقوى إذ أنه سيبعث على أنه مؤبد لا يموت ولهذا يتحمل الناس يوم القيامة من الكرب والهم والغم مالا يتحملونه في الدنيا ، الناس مثلاً لو دنت الشمس منهم قدر ميل في الدنيا لأحرقتهم ولكنها في الآخرة تدنوا منهم ومع ذلك لا تحرقهم يقول (( إنكم لفي خلق جديد )) إذاً جديد بماذا ؟ جديد في ذاته وأجزائه أو في أوصافه ؟ في أوصافه لأن الصحيح أن الخلق هو إعادة ما مضى ....نعم