تفسير قول الله تعالى : (( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب )) حفظ
ثم قال الله تعالى (( أَفَلَمْ يَرَوْا )) ينظروا (( إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )) ما فوقهم وما تحتهم (( مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ )) إلى آخره الاستفهام هنا للتهديد يعني أن الله هدد هؤلاء الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إنه سيعادون هددهم بأحد أمرين بالخسف أو إسقاط الكسف أي القطع من العذاب من فوقهم وإنما ذكر الفوق والتحت لأنه لا يمكن الفرار منهما أما اليمين والشمال والخلف والأمام فيمكن الفرار لو جاءك عدو من الخلف أمكنك أن تفر إلى الأمام ولو جاءك من الأمام أمكنك أن تفر إلى الخلف لكن إذا جاء من أسفل إلى أين تذهب ؟ تقفز ما تستطيع وإذا جاء من فوق أين تذهب ؟ لا تستطيع بهذا هددهم الله تعالى بأمرين لا يمكنهم الفرار منهما وقول المؤلف : " أفلم ينظروا " نعم فسر (( يروا )) بمعنى ينظروا والأولى أن تكون شاملة للرؤية البصرية التي بمعنى النظر والرؤية القلبية التي بمعنى العلم والتفكر يعني أن الله عز وجل يحثهم على أن يتفكروا حثاً يراد به التهديد فالرؤيا هنا شاملة رؤية النظر بالعين ورؤية القلب بالتفكر وقوله (( إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )) فسرها المؤلف أيضاً " ما فوقهم وما تحتهم " طيب ما الذي بين الأيدي ؟ على كلام المؤلف بناء على أنه لف ونشر المرتب يكون ما فوقهم هو الذي بين أيديهم وما خلفهم هو الذي تحتهم ولكن قد يقول قائل إن هذا صرف للكلام عن ظاهره بلا دليل بل نقول (( إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )) أي ما أمامهم (( وما خلفهم )) ما وراء ظهورهم فيحتمل أن المراد بـ(( مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )) أمامهم من الزمن ويحتمل أن يكون المراد بـ(( مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )) أي المكان وكذلك نقول فيما خلفهم انتبه قد يكون ما بين اليد هو ما أمامك من الزمان وما خلفك ما خلفته من الزمان كما في قوله (( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ))[البقرة:255]أي (( ما بين أيديهم )) ما يستقبل (( وما خلفهم )) ما مضى وقد يكون به المكان كما تقول مررت بين يدي المصلي أي أمامه وتقول المأموم يقف خلف الإمام أي وراءه في المكان ولا في الزمان ؟ في المكان طيب هنا (( أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )) نقول فيها يحتمل أن يكون المراد المكان ويحتمل أن يكون المراد الزمان والمراد أن يتفكروا في الأمر هل نجا أحد من عذاب الله ؟ انظر ما بين يديك في المكان أو ما بين يديك في الزمان وما خلفك من المكان أو الزمان هل نجا أحد من عذاب الله ؟ والجواب لا لم ينجو إذاً هم أيضاً لا ينجون من عذاب الله (( إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ )) الجملة هنا شرطية وفعل الشرط وجوابه مضارع مجزوم (( إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ )) وقوله (( أو نسقط )) معطوفة على (( نخسف )) يعني أو إن نشأ نسقط عليهم كسفاً قال المؤلف في قراءة " بسكون السين وفتحها " قطعة يعني أن فيها قراءتين سبعيتين سكون السين (( كسْفاً )) أو (( كسَفاً )) بفتح السين ويجوز القراءة فيهما جميعاً وقد سبق أن قلنا إن القراءات إذا تعددت فالأفضل أن يقرأ بهذا تارة وبهذا تارة لأنها كلها حق وكونه يلتزم بقراءة واحدة هذا فيه قصور إلا أن القراءات التي لم تتيقن أنها ثابتة لا يجوز لك أن تقرأ بها لأنه يجب أن تقرأ بما ثبت عندك قال (( كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ )) وفي قراءة في الأفعال الثلاثة بالياء أين الأفعال الثلاثة ؟ (( نشأ _ نخسف - نسقط )) بالياء فيقال (( إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط عليهم كسفاً من السماء )) والفاعل في الضمائر هنا يعود على الله عز وجل أما على قراءة النون (( إن نشأ )) فالأمر ظاهر لأن الضمير فيها ضمير متكلم لكن على قراءة الياء الضمير فيها ضمير الغائب وضمير الغائب لابد فيه من مرجع يرجع إليه إما سابق وإما لاحق فأين مرفوع الضمير (( إن يشأ )) يقال إنه معلوم من السياق كما في قوله (( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ))[النساء:28]من الذي خلقه ؟ الله فهنا يعلم كل أحد أنه لا يستطيع أحد من البشر ولا من غير البشر أن يخسف الأرض بالناس أو يسقط عليهم قطعاً من العذاب فيكون مرجع الضمير معلوماً بالسياق وقوله (( إِنَّ فِي ذَلِكَ )) المرئي (( لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ )) راجع إلى ربه تدل على قدرة الله على البعث إلى آخره يعني إن الآية تدل على البعث (( إن في ذلك )) أي فيما بين أيديهم من السماء والأرض (( لآية لكل عبد منيب )) إنا ذكرنا أن من بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض يعني يشمل كل ما سبق وكل ما مضى وكل ما أمامهم من المكان وكل ما كان خلقاً من ذلك أننا نرى الآية في السماء ينزل المطر من السماء على الأرض الهامدة اليابسة فترجع مخضرة حية أفلا يكون في ذلك دليل على إمكان إعادة الخلق ؟ الجواب بلى ولهذا قال (( إن في ذلك )) أي المنظور مما بين أيدينا وما خلفنا من السماء والأرض (( لآية )) أي علامة على قدرة الله عز وجل وعلى علمه وحكمته لكن هذه الآية ليست آية لكل أحد بل (( لكل عبد منيب )) (( عبد )) مأخوذ من العبودية وهي التذلل وقد سبق لنا أن التذلل نوعان : تذلل للأمر الشرعي وتذلل للأمر الكوني وأيهما المحمود المثاب عليه ؟ التذلل للأمر الشرعي أما التذلل للأمر الكوني فإن هذا لا طاقة للإنسان به ولا يحمد عليه كون الإنسان يذل لأمر الله الكوني من مرض أو فقر أو موت أهل أو ما أشبه ذلك هل يحمد عليه ؟ لا لأنه ليس من فعله لكن كونه يذل لأمر الله الشرعي فيقوم بشرائع الله هذا هو الذي يحمد عليه هنا المراد بالعبد ، العبد المتذلل للأمر الكوني أو الشرعي ؟ الشرعي طيب بدليل قوله (( منيب )) أي راجع إلى الله سبحانه وتعالى .