تفسير قول الله تعالى : (( وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير )) حفظ
قال الله تعالى أيضاً مما من به على سليمان (( وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ )) (( أسلنا )) أذبنا (( له عين القطر )) أي النحاس هذا أيضاً قد يكون أبلغ مما أوتيه داود لأن داود قال الله تعالى (( وألنا له الحديد )) أما هذا فأسال الله له عين القطر يعني فجر له عيناً من النحاس تسيل كما يسيل الماء مع أنها نحاس وهذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل لأن المعروف أن النحاس معدن جامد فجعله الله تعالى لسليمان عيناً سائلة كأنها الماء ولهذا قال (( أسلنا له عين القطر )) وقوله (( عين القطر )) يدفع ما قيل إن سليمان كان يذيب النحاس فيسيل كما أن الرصاص كما تشاهدون الآن الرصاص إذا أذبناه يصير سائلاً كالزئبق فنقول لا بل إن الله يقول (( أسلنا له عين القطر )) فجعل هذا عيناً يندفع من الأسفل ويسيل ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى خالق الأشياء جامدها ومائعها وأنه قادر على أن يجعل الجامد مائعاً والمائع جامداً وهذا الماء المائع المتدفق الجاري لما ضرب موسى بعصاه البحر انفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، كالجبل العظيم وهو ماء سائل ضربه مرة واحدة فقط تفرق البحر وصار اثني عشر طريقاً كل طريق بينه وبين الطريق الآخر مثل الجبل من الماء وهذا فوق الأمر الطبيعي لأن خالق الأشياء قادر على كل شيء سبحانه وتعالى (( وأسلنا له عين القطر )) قال المؤلف رحمه الله يقول : " فأجريت له ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء " كيف ؟ " فأجريت له ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء " هذا التقدير يحتاج إلى توقيف يعني أن الله أجراها له ثلاثة أيام فقط يعني أن الله أجراها له ثلاثة أيام فقط قد نقول إن الله سبحانه وتعالى أسال له عين القطر يتصرف فيها ما يشاء وهذا يقتضي أن تكون هذه الرسالة مستمرة حيث ما أرادها وجدها وهذا هو الأقرب ولا يمكن أن نحددها بثلاثة أيام إلا بدليل من الشرع إما من الكتاب أو من السنة وليس في الكتاب تحديد وكذلك ليس في السنة والأولى أن نجعلها على ظاهرها قال المؤلف :" وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان إيش معنى عمل الناس إلى اليوم ؟ يعني أن انتفاع الناس بهذا النحاس وتذويبه حتى يكون كالماء هذا أثره من عمل سليمان يعني أن النحاس إنما ذاب من وقت سليمان إلى اليوم وقد قيل إن النحاس كان من قبل لا يذوب أبداً ولكنه في عهد سليمان ذاب ثم صار مستمر الذوبان (( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ )) (( بإذن )) بأمر ربه (( من الجن من يعمل )) (( من )) للتبعيض و(( الجن )) عالم غيبي مستتر عن الأعين ولهذا جاء بلفظ الجن وأصل هذه المادة جيم نون الاستتار ومنه سميت الجُنة الترس الذي يستتر به الإنسان وسميت الجنة للبستان الكثير الأشجار لأنه يجن من فيه أي يغطيه وسميت الجنة أيضاً لهذا السبب وسمي الجنين لأنه مستتر فهذه المادة الجيم والنون كله تدل على الخفاء والاستتار فالجن إذاً عالم غيبي ليسوا بظاهرين لكنهم قد يرون هذا العالم منهم صالح ومنهم دون ذلك ومنهم مسلم ومنهم كافر كما في سورة الجن يأكلون ويشربون ولا لا ؟ ويتقيئون ويبولون كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الجن قد يظهرون أمام الناس ويشاهدون إما بصورهم التي هم عليها وإما بتصوراتهم الثانية وإما على صورة القطط أو على صورة الدواب كما جاء في الحديث الصحيح النهي عن قتل الجنان التي تكون في البيوت لأن بعضها قد يكون من الجن .