تابع لتفسير قول الله تعالى : (( وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير )) حفظ
قد يكون من الجن وربما يتلبسون بالإنسان أي يدخلون في جوفه حتى يكون كاللباس فيصرعونه ويؤذونه وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ))[البقرة:275]يعني مثل المصروع الذي صرعه الشيطان وهذا الصرع أي صرع الجن للإنس لا ينكره إلا الملاحده كما قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد : " إنهم لن يصلوا إلى هذا النوع من الصرع فجعلوا ينكرونه ويحيلون جميع أنواع الصرع إلى صرع الأعصاب والمخ وما أشبه ذلك " وصرع الجن للإنس معلوم بالمشاهدة أيضاً فلا ينكره إلا المكابر كيف ذلك ؟ لأنه شوهد من يصرع ويخاطب الجني الذي صرعه مخاطبة صريحة واضحة وجرى ذلك على يد أئمة الإسلام كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم إلى يومنا هذا جيء مرة بمصروع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فوعظ الجني الذي صرعه ونصحه وقال له : اخرج وقالت : إني أحبه وكانت امرأة التي صرعته ، صرعت الرجل امرأة قالت : إني أحبه وقال : شيخ الإسلام لكنه لا يحبك فقالت : إني أريد أن أحج به كيف تحمله إلى مكة فقال : إنه إنه لا يريد أن يحج معك ثم وعظها فلم تتعظ ثم ضربها شيخ الإسلام ابن تيمية جعل يضربها على رقبة هذا المصروع يقول : حتى تعبت يدي من الضرب فقالت أنا أخرج كرامة للشيخ فقال : لا تخرجي كرامة لي أخرجي طاعة لله ورسوله فخرجت على ألا تعود فأفاق الرجل لما أفاق قال لما ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ الإسلام ابن تيمية ؟ فقيل له قد فعل كذا وفعل كذا قال : والله ما أحسست بشيء من هذا لا أني خاطبته ولا أنه ضربني وهذه القصة ذكرها ابن القيم في زاد المعاد عن شيخه وابن القيم ثقة وشيخ الإسلام كذلك ثقة وقد ورد مثل ذلك عن الإمام أحمد إذاً الجن نقول فيه تعريف : عالم غيبي مستترون عن الإنس وربما يظهرون ومنهم صالح ومنهم دون ذلك ومنهم قاسط ومنهم مسلم ويأكلون ويشربون ويبولون ويتقيئون كل هذا ثبت في القرآن وفي السنة نعم طيب يقول : (( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ )) (( من )) بمعنى الذي يعمل بين يديه فهي اسم موصول وما محلها من الإعراب يحتمل أن يكون محلها الرفع على أنها مبتدأ مؤخر وخبره من الجن ويحتمل أنها في محل نصب نعم يعني وسخرنا له من الجني من يعمل بين يديه وأيهما أولى ؟ نحن ذكرنا قاعدة أنه إذا دار الأمر بين التقدير وعدم التقدير فعدم التقدير أولى لأنه الأصل ، الأصل أن الكلام لم يحذف منه شيء وعل هذا فنقول (( من الجن )) جار ومجرور خبر مقدم (( ومن يعمل )) مبتدأ مؤخر (( من يعمل بين يديه )) يدي من ؟ يدي سليمان يعني أمامه لكن (( بِإِذْنِ رَبِّهِ )) بأمر ربه والإذن هنا كوني ولا شرعي ؟ الإذن كوني بإذن الله الكوني يعني أن الله سخر الجن يعملون بين يدي سليمان بإذنه بأمره الكوني وقد يقال إنه إذن شرعي بدليل قوله (( وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )) قال (( ومن يزغ )) يعدل وقيل يمل أي يميل وهذا أقرب ومنه زاغت الشمس أي مالت عن وسط السماء (( من يزغ منهم )) يعني يميل (( عن أمرنا )) له بطاعته (( له )) أي الجن بطاعته أي بطاعة سليمان (( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )) أي النار في الآخرة (( نذقه )) ما الذي جزمها ؟ (( من )) لأنها جواب الشرط وفعل الشرط (( يزغ )) (( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )) أي نعذبه بالنار حتى يذوق عذابها وهل هذه نار الدنيا ولا الآخرة ؟ قال المؤلف : " في الآخرة وقيل في الدنيا " بأن يضربه ملك بصوت منها ضربة تحرقه والله أعلم هل أنه عذابه في الدنيا بواسطة ملك أو سليمان أذن له بتعذيبهم في النار على كل حال الذين يزغ من الجن عن أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة سليمان هذا يعذب بالنار إما في الدنيا وإما في الآخر ولكن إذا قلنا إنه في الدنيا فإنه لا يتعين أن يكون الأمر كما قال المؤلف " إنه ملك يضربه بسوط منها حتى يحرقه " نعم والله أعلم نعم