فوائد قول الله تعالى : (( ... ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير )) حفظ
ومن فوائد الآية الكريمة : وجود الجن وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ولهذا من أنكر وجود الجن فقد كذب القرآن ويحكم بكفره لكن هذا الجن يعملون للإنس أو لا يعملون ؟ نقول من فوائد الآية الكريمة أن الجن يعملون للإنس لقوله (( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْه )) ولاشك أن عملهم بين يديه آية له دالة على نبوته وعلى رسالته لكن هل يعملون لغير الأنبياء ؟ يقول شيخ الإسلام :" نعم إنهم يعملون لغير الأنبياء وعملهم لغير الأنبياء له سبب إما أن يكون سببه الشرك " بمعنى أن الجن تأمره أن يشرك فيعبدهم أو تأمره أن يشرك فيعبد من يعظمونه هذا واحد وقد يكون سببه أنهم يعشقون هذا الإنسان فيحبونه حباً يعني ليس لله لكن مثلاً لجمال صورته أو ما أشبه ذلك ومنها أنهم يعملون له من أسباب ذلك يعملون له محبة لله لكونهم صالحين فأحبوا هذا الرجل الصالح فعملوا له نعم عملهم له يقول شيخ الإسلام : " إن عملوا له أمراً محرماً كان ذلك حراماً مثل كأن يستخدمهم في آذية المسلمين أو في الاعتداء على شخص معين يروعونه أو ينفرون إبله أو فيما أشبه ذلك فهذا حرام " فإذا استعان بهم بطريق المعصية أو من أجل المعصية كان ذلك حراماً بلا شك أما إذا استعان بهم في الأمر المباح فلا بأس به إذا خلا عن شرك وعن عدوان على الغير فإن قلت إن القول بإباحة الاستعانة بهم في غير المعصية يشكل عليّ قوله تعالى (( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ))[الأنعام:128]فإن ظاهر هذا أنه لا يجوز أن يستمتع الجن بالإنس ولا الإنس بالجن ؟ فالجواب على ذلك ..... فلا بأس به وقد ذكر رحمه الله في كتاب النبوات وفي كتاب إيضاح الدلالة على عموم الرسالة ذكر أشياء واضحة عن السلف بأنهم ربما ينتفعون في الإخبار عن الأشياء البعيدة والأمر الواقع شاهد بذلك فإننا نسمع قضايا عن بعض الناس أن الجنة وإن على ما يريد مع صلاحهم وعدم شركهم وعدم معصيتهم طيب فإذا قلت هل ممكن أن يعتدي الجني على الإنسي ؟ فالجواب نعم يمكن وهل يمكن أن يعتدي الإنسي على الجني ؟ نعم يمكن أما الأول فظاهر كثيراً أن الجن يعتدون على الإنس أحياناً يروعونهم في الطرقات بل وربما في البيوت وأحياناً يفسدون عليهم شئونهم وأحياناً يرمونهم بالحجارة وأحياناً يؤذونهم بالأصوات وهذا شيء لا يحتاج إلى طلب بالدليل لأنه أمر واقع مشاهد وكذلك الإنس ربما يعتدون على الجن فلو أن أحداً استجمر بحجر أو استجمر بروث لكان ذلك نعم فلو أن أحداً استجمر بعظم أنا غلطت فلو أن أحداً استجمر بعظم أو بروث لكان معتدياً على الجن لماذا ؟ لأن العظم طعام الجن والروث طعام دوابهم فيكون في هذا عدوان من الإنس على الجن طيب وهل يمكن أن يدخل الجني في بدب الإنس ؟ نعم ولا يحتاج إلى طلب الدليل لأن هذا أمر واقع محسوس ثبتت به الأخبار وتواترت وشهده الناس وقد ذكرنا أن الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية يؤتى إليهم بالمصروع فيخاطبونه ويكون الخطاب على من صرعه ويضربونه أيضاً ويكون الضرب على من صرعه أي على الصارع لا على المصروع وفي القرآن ما يشير إلى ذلك لقوله تعالى (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ))[البقرة:275]والمس معناه الصرع ولهذا يقال به مس من الجن أي صرع والذي يتخبطه الشيطان من المس يعني يكون مخبل لا يحس ولا يعرف قال أهل العلم إن هؤلاء يقومون من قبورهم كمثل المجانين الذين أصابتهم الشياطين وأما إنكار بعض الناس لهذا فقد قال شيخ الإسلام : " إن هؤلاء الفلاسفة الذين أنكروا ذلك لا يعلمون من الشرع كما يعلمه أهل الشرع فهم ينكرون ما غاب عنهم ولا يقرون إلا بالشيء المحسوس وأنكر عليهم إنكاراً عظيماً في زاد المعاد .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الجن يشاهدون أو قد يشاهدون ممكن مفهوم الآية من أين ؟ من قوله ((مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ )) فإن الظاهر أنهم يشاهدون وهم يعملون بين يدي سليمان يعني أمامه .
ومن فوائدها : أن الجن مكلفون بمعنى أنهم إذا خالفوا عذبوا ومن تمام عدل الله أنهم إذا وافقوه نعموا أما كونهم يعذبون إذا خالفوا فهذا أمر متفق عليه بين العلماء وأن كافرهم يدخل النار وأما دخول المؤمنين منهم الجنة ففيه خلاف بين العلماء والصواب أنهم يدخلون الجنة لقوله تعالى في سورة الرحمن وهو يخاطب الجن والإنس (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *(( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ))[الرحمن46:47]فيكون هؤلاء الجن إذا خافوا الله فلهم الجنة وقال في أثناء ذلك (( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ))[الرحمن:74]وكلمة (( ولا جان )) لا تتناسب مع الإنس وإنما تتناسب مع من ؟ مع الجن وهذا هو القول الحق المتعين ولا يعارض ذلك قوله تعالى عن الجن الذين صرفهم الله للنبي صلى الله عليه وسلم يستمعون القرآن حين ولوا إلى قومهم منذرين (( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ))[الأحقاف30:31]فيقال إن الله إذا أجارهم من العذاب الأليم فلازم ذلك أن يدخلوا الجنة لأن الآخرة ليس فيها إلا داران هما الجنة أو النار فمن نجا من النار دخل الجنة ولابد إذاً الجن مكلفون لكن هل تكليفهم كتكليف الإنس بمعنى أن صلاتهم كصلاتنا وصيامهم كصيامنا وحجهم كحجنا أو يختلفوا عنا ؟ في هذا احتمالان :
أحدهما : أن يكون ما كلفوا به مساوياً لما كلفنا به من كل وجه ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوثاً للجن والإنس ولم تأت السنة بالتفريق بين أحكام الإنس والجن فالواجب إيش ؟ إجرائها على ماهي عليه وأن تكون هذه الأحكام ثابتة في حق الإنس والجن على حد سواء .
والاحتمال الثاني : أن تكون الواجبات بالنسبة للجن موافقة لما هم عليه مناسبة لهم فلا يلزم على هذا أن يكونوا مساويين للإنس لأن الله عز وجل يشرع أحكام مناسبة لمن شرعت له فهذا المريض مثلاً هل عليه صوم ؟ إذا كان المريض لا يجازى على مرضه ففرضه الإطعام والفقير ليس عليه زكاة وليس عليه حج فلما كان اختلاف الشرائع ظاهراً بالنسبة للإنس لاختلاف أحوالهم فإنهم يلزم أن تكون الشرائع أيضاً مختلفة في الجن عن الإنس لأن الجن لاشك كما قال شيخ الإسلام : "
الجن مخالفون للإنس في الحد والحقيقة فحقيقتهم ليست كحقيقة البشر وحدودهم وطاقاتهم ليست كحدود وطاقات البشر فإذا كانوا مخالفين للبشر في الحد والحقيقة لزم أن يكون المخالفين لهم في الأحكام الشرعية وهذا فيما يمكن الاختلاف فيه أما ما لا يمكن كالتوحيد والرسالة ، أصل الرسالة وما أشبه ذلك فهذا أمر نعلم علم اليقين أن الجن مساوون للإنس في تلك الأحكام لكن الكلام على المسائل الفرعية التي يختلف فيها المخاطبون باختلاف أحوالهم فالمسألة فيها احتمالان ولكن شيخ الإسلام رحمه الله جزم بأن الأحكام التي كلف بها الجن تخالف الأحكام التي كلف بها الإنس وأنهم مكلفون في الجملة بدون أن يساووا الإنس والعلم عند الله طيب .