تفسير قول الله تعالى : (( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل )) حفظ
(( فأعرضوا )) عن شكره وكفروا (( فأرسلنا عليهم )) إلى آخره الفاء هنا عاطفة يعني أنهم مع هذه النعم جنات بساتين عظيمة وبلد طيب مغفرة للذنوب إذا قاموا بطاعة الله قال (( فأعرضوا )) أعرضوا عن إيش ؟ يقول أعرضوا عن شكر الله وكفروا فأعرضوا عن الشكر وقابلوا هذه النعمة بالكفر فماذا كانت عاقبتهم ؟ قال : (( فأرسلنا عليهم سيل العرم )) الفاء هنا عاطفة وتفيد السببة أيضاًَ أي بسبب إعراضهم أرسلنا عليهم سيل العرم وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه كما قال تعالى (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ))[النحل:112]هؤلاء أعرضوا فدمر الله ديارهم (( أرسلنا عليهم سيل العرم )) جمع عرمة وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجتهم أي سيل واديهم الممسوك بما ذكر ، فأغلق جنتيهم وأموالهم (( سيل العرم ))(( العرم )) بمعنى السد يعني أن هذا السيل منسوب إلى السد أو بمعنى سيل العرم من باب إضافة الشيء إلى صفته أي السيل العارم الجارف الذي يتلف كل ما مر عليه والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم سيلاً عظيماً وذلك لفساد السد الذي جعلوه بين هذه الجبال وكان هذا السد المنيع تجتمع فيه السيول وتمتصها الأرض وتخرج في العيون فلما تصدع هذا السد جرت المياه بغير تقدير وذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى فقال (( أرسلنا عليهم سيل العرم )) يقول : (( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ )) الجنان السابقة أو الجنتان السابقتان كلها ثمار طيب يؤكل وينتفع به بالبيع والشراء وغير ذلك أما البدل فيقول : (( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي )) تثنية ذوات مفرد ، هي عندكم ، مفرد على الأصح عندكم تثنية ذوات ولا ذات ؟ طيب هو في الأصل ذات المفرد وذوات للجمع فثني الجمع وصارت (( ذواتي )) أكل ويمكن أن يقال خلاف كلام المؤلف ويقال إن الأصل ذات لكن لما ثني عادت الواو فصارت (( ذواتي )) أي صاحبتي لأن ذات بمعنى صاحبة قال الله تعالى (( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ))[البروج:1]أي صاحبة البروج (( ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ )) قال المؤلف : " مر بشع بإضافة أكل " بمعنى مأكول وتركها ويعطف (( وَأَثْلٍ )) يعني أن فيها قراءتين (( ذواتي أكلِ خمط ٍ)) هذه عبارة وتركها (( ذواتي أكلٍ خمطٍ )) أما الإضافة واضحة (( ذواتي أكلِ خمط ٍ)) يعني أنها الأكل يخمط خمطاً وهو شجر الأراك كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما والأراك هي المساويك هذه لها أوراق بسيطة جداً وليست بذات اللذيذة ولهذا يقول المؤلف : " مرٍ بشع " بدل الفواكه والخضر والزروع وغيرها ويقول : (( أكل )) بمعنى مأكول يعني ذواتي مأكول يخمط خمطاً (( وأثل )) أثل بدل الأشجار المثمرة البهيجة صار بدلها أثل والأثل بعضهم قال : هو الطرفة والصحيح أنه غير الطرفة لأن فيها الطرفة تكون صغيراً ما تكبر والأثل معروف يقول .
الطالب : الأراك هل هو الأكول ولا الخمط .
الشيخ : لا ، الخمط .
الطالب : والأكل .
الشيخ : لا أكل يعني أن معناه أن يؤكل خمطاً أي نعم .
قال (( وأثل وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ )) هنا قال : (( شيء من سدر )) وهناك قال : (( خمط وأثل )) لأن السدر أحسن هذه الأنواع الثلاثة ولم يعطوا منه إلا الشيء القليل (( شيء من سدر )) وأيضاً قليل مع أن كلمة (( شيء من سدر )) تدل على القلة لكنها أكدت هذه القلة بقوله : (( قليل )) الخلاصة الآن أن هؤلاء لما أعرضوا ولم يقوموا بشكر الله عز وجل أرسل الله عليهم السيل فأغرق أموالهم وهدم بنائهم وأبدلهم بهاتين الجنتين جنتين لا يساويان ولا يقاربان ما سبق (( ذواتي أكل )) ليس بالكثير (( خمط )) والمؤلف قال : " إنه مر بشع " (( وأثل وشيء من سدر قليل )) بدل تلك الجنات العظيمة المفيدة النافعة .