فوائد قول الله تعالى : (( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين )) حفظ
الفوائد قال الله تعالى (( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ )) إلى آخره هذا مبتدى ذكر الفوائد :
من فوائد هذه الآية : أولاً أن الموت غاية كل حي وإن عظم ملكه فإن سليمان كان من أعظم الملوك ملكاً ومع ذلك لم ينقذه ملكه من الموت ومنها أن الأمور كلها إلى الله لقوله (( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ )) .
ومنها : أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالعظمة والجلال والكمال لأن (( نا )) ليست للتعدد ولكنها للتعظيم لأن كلمة أنا أرجو يا إخواني كلمة (( نا )) تدل إما على التعدد وإما على التعظيم والتعدد هنا ممتنع فتعين أن يكون للتعظيم .
ومنها : أن الشيء الحقير قد يفعل شيئاً عظيماً كبيراً يؤخذ من قوله (( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ )) وهذا شيء اقتضت به سنة الله عز وجل أن الشيء قد يكون حقيراً لكن يترتب عليه أمر عظيم فنحن الآن لا نعرف كيف نقبر موتانا إلا بدلالة الغراب أليس كذلك ؟ أيضاً جميع المباني الهندسية الفخمة الجميلة عرفت من صنيع النحل أيضاً كل ما حدث من الآلات التي يحدثها الناس تجدها يشبهونها بمخلوقات الله عز وجل كالطائرات وغيرها بهذا نعرف أن الأشياء الحقيرة قد تكون مفيدة للإنسان فائدة عظيمة وقد يترتب عليها أمور خطيرة .
ومنها : أن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم جائزة لقوله (( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ )) فأضاف الدلالة إلى دابة الأرض مع أن الدابة هل هي أكلت العصا لأجل أن تدل الجن على موت سليمان ؟ لا لكنها سبب فإضافة الشيء إلى سببه المعلوم شرعاً أو حساً جائزاً نعم حتى وإن لم يذكر فيها لفظ الجلالة فمثلاً إذا قلت لولا فلان لهلكت وصحيح أن فلان هو الذي أنقذك فهذا جائز إذا لم تعتقد أن هذا السبب هو الفاعل الوحيد والممنوع أن تضيف الشيء إلى سببه مع الله مقروناً بالواو أو تضيف الشيء إلى سبب غير معلوم سببيته لا من الشرع ولا من الحس لأن هذا يكون من باب الأوهام والتخييلات .
ومن فوائد الآية : الحذر أو التحذير من دابة الأرض ولا لا ؟ أي نعم ما دام تأكل الأخشاب وتأكل هذه الأشياء فاحذر منها وكم من إنسان أفسدت عليه دابة الأرض مكتبته القيمة التي تساوي شيئاً كثيراً ولهذا انتبهوا لا تأكل الأرض عليكم كتبكم طيب .
ومن فوائد الآية الكريمة : إضافة الفعل أو إضافة الشيء إلى من لم يقم به باختياره لقوله (( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ )) فالخرور قد يضاف إلى الفاعل بالاختيار وقد يضاف إلى الفاعل بغير اختيار فتقول خر الماء وتقول خر ميتاً وقال الله عز وجل (( خَرُّوا سُجَّدًا ))[مريم:58] (( وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ ))[الإسراء:109]هذا بلا اختيار .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الجن لا يعلمون الغيب والدلالة على ذلك واضحة (( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ )) .
ومنها : أن الأمور الحسية الواقعة أدلة برهانية وهذه الفائدة معناها الاستدلال بالأمور الحسية لأن الله استدل على كونهم لا يعلمون الغيب بأنهم بقوا معذبين في ما يعملونه من الأعمال الشاقة فلك أن تستدل على الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة وهذا شيء معروف طيب .
ومن فوائد الآية : أن الجن ذو عقول لقوله (( تبينت الجن )) وهو كذلك بأن الله تعالى أعطاهم عقولاً يهتدون بها إلى مصالح دينهم ودنياهم .
ومنها : تسمية الأعمال الشاقة عذاباً لقوله (( مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ )) مع أن سليمان عليه الصلاة والسلام لم يجعلهم يعملون له ما يشاء عقوبة لهم ولكنه تكليف وبهذا نعرف أن العذاب قد يطلق على ما ليس بعقوبة كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( إن السفر قطعة من العذاب ) .