تفسير قول الله تعالى : (( ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين )) حفظ
قال الله تعالى (( وَلَوْ تَرَى )) قال المؤلف : " يا محمد " (( إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ )) (( ولو ترى )) أي (( لو )) شرطية فعل شرطها (( ترى )) وجاءت هنا جازمة ولا غير جازمة ؟ غير جازمة وجوابها محذوف أي إذا رأيت أمرا فظيعاً وجواب الشرط في مثل هذا التقدير أعظم من ذكره لأن النفي تذهب في تقديره كل مذهب من الفظاعة والبشاعة ، ولو تأتي في اللغة العربية على عدة معاني : تأتي شرطية كما هنا وتأتي مصدرية كما في قوله (( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ))[القلم:9]وقول المؤلف : " يا محمد " قصر المؤلف الضمير على الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه يحتمل أن يكون المراد به إيش؟ كل مخاطب يعني ولو ترى أيها المخاطب حال هؤلاء لرأيت أمر فظيعاً وقوله : (( إذ الظالمون )) (( إذ )) بمعنى وقت أو .....فهي ظرف زمان و (( الظالمون )) مبتدأ و (( موقوفون )) خبره والمراد بالظالمين هنا قال المؤلف : " الكافرون " وإنما خصها بالكافرين مع أن الظلم أعم لقرينة السياق حيث قال الله تعالى في آخرها : (( وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ))[سبأ:33]فصار المراد بالظالمين هنا الكافرين طيب هل كل كافر ظالم ؟ هل كل ظالم كافر ؟ لا ولهذا لما قال الله تعالى : (( والكافرون هم الظالمون )) قال العلماء : " نحمد الله أن لم يقل والظالمون هم الكافرون " طيب (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ )) أي محبوسون فمعنى وقفه أي حبسه ومنه سمي الوقف للمال الحبيس الذي تحبس عينه وتكبل منفعته فمعنى (( موقوفون )) أي محبوسون عند الله عز وجل وقوله : (( عند ربهم )) ولم يقل عند الله لأن مثل هذا الفعل الدال على العظمة يتناسب مع إيش ؟ مع الربوبية لكمال ربوبيته عز وجل وكمال ملكه وسلطانه تجد هؤلاء الظلمة الذين عندهم من العتو والاستكبار والعناد في الدنيا تجدهم في أقل شيء أمام ربوبيته الله عز وجل (( عند ربهم يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ )) (( يرجع )) بمعنى يرد وعلى هذا فتكون متعدية لأن رجع تأتي لازمة وتأتي متعدية فقولك : رجعت من مكة إلى المدينة هذه لازمة ولا متعدية ؟ لازمة يا أخي رجعت من مكة إلى المدينة لازمة ، لأنها لم تنصب المفعول وقوله تعالى : (( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ))[التوبة:83]هذه متعدية وهنا قال : (( يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ )) متعدية ولا لازمة ؟ متعدية أي يردهم وقوله : (( يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ )) (( القول )) هنا مبهم مجمل ثم فصله بقوله : (( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا )) إلى آخره وفائدة الإبهام المفصل فائدته عظيمة لأنه إذا أجمل أولاً وأبهم فإن النفس تتطلع إلى بيان ذلك الشيء وتفصيله ولذلك عندما أقول عندما أقرأ : (( يرجع بعضهم إلى بعض القول )) ماذا يكون ذهنك ؟ يكون ذهنك المتخلي عنه إلى بيان هذا القول الذي يتراجعونه لكن لو قال : (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ )) (( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا )) هكذا جاءت لم يكن لها من التمكن في الذهن مثل ما كان ذلك قبلها حينما أبهم القول ثم بين أو أبهم ثم فصل (( يرجع بعضهم إلى بعض القول )) ماذا يقولون ؟ (( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا )) الأتباع (( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا )) الرؤساء (( لَوْلا أَنْتُمْ )) صددتمونا عن الإيمان (( لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ )) بالنبي (( لولا )) هذه شرطية ويقال فيها حرف امتناع لوجود لأنه امتنع جوابها لوجود إيش؟ شرطها ، امتنع جوابها لوجود شرطها طيب وتأتي لولا شرطية كما هنا وتأتي للتحضيض كما في قوله : (( لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ))[النور:13]وتأتي للنفي كما في قوله (( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ))[يونس:98]المعنى فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا طيب هنا يقول : (( لولا أنتم )) ابن مالك رحمه الله يقول : " وبعد لولا غالباً حذف الخبر حتم " إذاً هنا المبتدأ موجود وهو (( أنتم )) فأين الخبر ؟ محذوف قدره المؤلف بقوله : " صددتمونا " من أين عرف أنه بهذا اللفظ ؟ من قوله : ( أنحن صددناكم عن الهدى )) إذاً ما نقدر هنا لولا أنتم موجودون لأن الصد أخص من مطلق الوجود وإذا كان لنا طريق إلى تقدير الأخص فهو أولى من تقدير الأعم ، ولهذا قلنا : إن القارئ إذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم يقدر المتعلق بقوله : أقرأ لا بقوله : أبتدئ لأن أبتدئ عامة وأقرأ خاصة هنا يمكن أن نقول : لولا أنتم موجودون ، لكن ما دمنا نجد فعلاً أخص وهو الصد المدلول عليه بقوله : (( أنحن صددناكم )) فإنه يجب أن نقدر لولا أنتم صددتمونا ، نعم (( لولا أنتم لكنا مؤمنين )) هذا جواب الشرط ولهذا اقترن باللام (( لكنا مؤمنين )) لكن بمن ؟ قال : " بالنبي " والأصح أنه أعم أي لكنا مؤمنين بما تشمله رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبغير ذلك مما يجب الإيمان به طيب ،