تفسير قول الله تعالى : (( فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون )) . حفظ
يقول المؤلف رحمه الله : نعم (( وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي )) أو الذي (( ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )) قوله : (( ونقول )) معطوف على قوله : (( لا يملك )) يعني واليوم نقول (( للذين ظلموا )) الظلم في اللغة : النقص هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى : (( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ))[الكهف:33]أي لم تنقص وأما في الاصطلاح أو في الشرع : فهو نقص ذوي الحق حقه إما بالمماطلة بالواجب وإما بانتهاك المحرم ، نقص ذوي الحق حقه إما بالمماطلة بالواجب مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( مطل الغني ظلم ) وإما بالاعتداء على حقه كقوله تعالى : (( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ))[الشورى:42]فإذاً الظلم في الأصل النقص ودليله (( ولم تظلم منه شيئاً )) وأما شرعاً : فهو نقص ذوي الحق حقه إما بانتهاك محرم في حقه أو بمماطلة في واجب ، وقوله : (( للذين ظلموا )) فسرها المؤلف : " بكفروا )) وهذا تفسير بالمعنى ولا بالمراد ؟ بالمراد لأن الظلم من حيث المعنى أعم من الكفر لكن المؤلف يقول : " إن المراد بالظلم هنا ظلم الكفر " كقوله تعالى : (( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))[البقرة:254]وقوله تعالى : (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))[لقمان:13]وقوله : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ))[الأنعام:82]فالظلم قد يراد به الكفر وكأن المؤلف رحمه الله خص الظلم بالكفر هنا بدليل السياق (( وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )) هذا مما يدل على أن المراد بالظلم هنا ظلم الكفر لأن الذي يكذب بالنار حكمه كافر لتكذيبه خبر الله ورسوله (( ذوقوا عذاب النار )) (( ذوقوا )) فعل أمر لكنه يراد به الإهانة يعني يقال لهم : إهانة ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون أي النار ستصيبكم حتى تذوقوها كما تذوقون الطعام وقوله : (( عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )) كيف كانوا يكذبون بالنار ؟ لأنهم ينكرون البعث والنار إنما تكون بعد البعث وهم يكذبون بذلك ومن باب أولى أن يكذبوا بما يكون في القبر من العذاب فهم يكذبون تكذيباً كاملاً ويقولون : إن الروح إذا خرجت من الجسد لن تعود إليه وهنا قال : (( التي كنتم بها تكذبون )) وفي سورة الم السجدة قال : (( ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ))[السجدة:20]فعليه أي على الآيتين يكون الوصف بالتكذيب مرة بالنار ومرة بعذابها فهم أحياناً ينكرون النار مافي نار ولا في آخرة ولا في شيء وأحياناً يكذبون التعذيب بالنار ويقولون : كيف نعذب بالنار ؟ وكيف نبقى أحقاباً ونحن في النار ، الإنسان إذا دخل في النار احترق وانتهى فيكذبون بالعذاب وأحياناً يكذبون بالنار نفسها وقوله : (( التي كنتم بها تكذبون )) الجار والمجرور هنا متعلق بـ (( تكذبون )) ولكنه قدم للحصر أو للفواصل نعم للفواصل لا شك هذه من جهة ، وللحصر ولكننا إذا قلنا للحصر يرد علينا إشكال وهو أنهم كذبوا بالنار وبغيرها فيقال لما كان العذاب بالنار ذكروا بتكذيبهم بها خاصة لأنهم عذبوا بها فكأنهم قيل لهم عذبتم بشيء أن كنتم تكذبون به وإلا فلهم تكذيب آخر .