تفسير قول الله تعالى : (( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء )) حفظ
بل لهم عُقُولٌ أَخَصّ مِن عُقُول البشَر، لأَنَّ عُقُول البشر قد تستَوْلِي عليها الشَّهْوَة فيُضِيع الإنسَان عقلَه.
(( جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا )) جَمْع رَسُول، يقول : " إلى الأنبياء " والأصَحّ: إلى الأنبياء وغيرِهم، يقولُ الله تعالى: (( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ))[الأنعام:61] رُسُل الله عز وجل إلى هذا الـمُحْتَضَر لِيَقْبِضُوا رُوحَه فهم رُسُل إلى الأنبياء وإلى غيرِهم، فتخصيصُ الآية بالأنبياء يُعتَبرُ قُصُورًا في التفسير.
(( أُولِي أَجْنِحَةٍ )) (( أُولِي )) بمعنى (أصحاب) يعني أنَّ الملائكة لهم أجْنِحَة وهو جمْعُ جَنَاح، هذا الجَنَاح يطِيرُون به بِسُرعَة فائِقَة أسرَع مِن الجِنّ، بدليل أنَّ العفْرِيتَ مِن الجن قال لِسُلَيْمَان لما قال: (( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ))[النمل:39] وكان له عَادَة يقُوم في وقْتٍ مُعَيَّن فقال: (( قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ )) يعني في الوَقْت المعَيَّن، وإلَّا لكان الأمْرُ مُبْهَمًا، (( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ))[النمل:40] يعني مِثْل النظر مثل أبعَد شيء إنه قال هكذا قَبل أن يرتَدَّ إليه طرْفُه فإنَّه يأتِيه به، وفِعْلًا أتَاه ولهذا قال : (( فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا ))[النمل:40] قال العلماء: " إِنَّ الذي عِنْدَه عِلْمٌ مِنَ الكِتَاب كان يعْرِفُ اسْمَ اللهِ الأَعْظَم وأنَّه دَعَا باسْمِ اللهِ الأعْظَم فحَمَلَتْهُ الملائِكَة وأَلْقَتْه بيْنَ يدَيْ سُلَيْمَان " وهذا يدُلُّ على أنَّ الملائكة أسْرَع مِنَ الجِنّ ولاشَك في هذا أنهم أسرَع وأقْوَى، فهم لهم أجنحة يطيرون بها بسرعة فائقة عظيمة، جبريل عليه الصلاة والسلام كان له سِتُّمِائَة جناح كُلُّ جَنَاح له قُوَّة عظيمة في الحَمْل والطَيَرَان ماذا تكون سرعتُه؟ لاشك أنها سرعة فائقَة جدًّا، نعم لأننا إذا رأينا الآن الطائرات النفَّاثة أجنحتها اللي تحملها وهي المراوح التي تُدْخِل الهواء لِيَحْمِلَ الطائرة ما تبلُغ هذا المبلغ ولا عُشْرَه، ومع ذلك ترتقي بهذه السرعة العظيمة وهذا الارتفاع العظيم، فجبريل عليه الصلاة والسلام له ستمائة جناح قد سَدَّ الأُفُق وهذا يدلُّك على أنهم لهم سُرعة فائقة عظيمة، هذه الأجنحة (( مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ )) وأكثر ولّا لا؟ نعم وأكثر (( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشَاءُ ))، قولُه (( مَثْنَى )) ظاهرُها أن ذلك في العَدَد لا في الصِّنْف أنه في العَدَدِ لا في الصنف، لأن هذا هو الأصْل، ويحتَمِل أن يكونَ في الصنف، لأننا مثلًا نرى الطائر مَثَلًا له جَنَاحان، لكن كل ريشة مِن هذه الأجنحة لها عَمَلٌ خاصّ في تكْيِيف الطَيَرَان، منها مثلاً ما ينصِبُه حتى يرْتَفِع، ويخفِضُه حتى ينْزِل، ويفرِشُه حتى يسْتَقِرّ هذا شيء مُشَاهد، ولهذا بعض الأحيان تَنْتِف أشياء معينة مِن الجناح ثم لا يطِير مع أنَّ الباقي في جناحِها أكثر مما نَتَفْت بكثير، فيحتمِل أنَّ قوله: (( مثنى )) يعني باعتبار الصِّنف (( وثلاث ورباع ))، ويحتَمِل أنه باعتبار العدَد وأن الملائكة بعضُهم لهم جناحان، وبعضُهم له ثلاثة، وبعضهم له أربعة، ولا ينَافِي ذلك أنَّ جبريل عليه الصلاة والسلام له سِتُّمِائَة جناح، لأن الله يقول : (( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ )) ويكون مما زادَه أن جعل لِجبريل ستمائة جناح، (( أُولِي أجْنِحَة )) فإذا قلت : هل نعرِفُ كيفِيَّة هذه الأجنحة؟ فالجواب: لا، تَعْرِفها؟
الطالب: ....
الشيخ : إيش لونها؟
الطالب : ... أن كل جناح فيه كذا مِن الياقوت والزمرد.
الشيخ : ايش
الطالب: أنه وصفها جناح كبير والله أعلم بصحة الحديث ... الياقوت والزُمُرُّد.
الشيخ : أي نعم هذا إن شاء الله تحَقَّقوا مِن الحديث.
الطالب: .. بائع الزهور
الشيخ : أي نعم .. وهذه كلها ... أبد ، زهورٌ ذابِلة يابسة ما جاتها الحياة أبد، على كل حال جزاك الله خير وإن شاء الله حَقِّق لنا الحديث وجيبه غدًا، بعد الغد، لأن بكرة الثُّلاثَاء.
كيفيَّةُ هذه الأجنحة لا نعلمها، وهذا نظيرُه تمامًا ما جاءَ في صفاتِ الله عز وجل فإننا نعلَم معْنَى الصفة ولكنَّنا نجْهَل كيفية الصفة، للهِ عز وجل وجْه، نعلم ما معْنَى الوجه لكن هل نعلَمُ كيفِيَّتَه؟ لا، لأنَّ ما غاب عنك لا يُخَاطِبُكَ اللهُ به إلا بِبَيَان معناه فقط، وأما كَيْفِيَّتُه فلا يمكنُك إدراكُها لأنه غائِب ولا نَظِيرَ لها، والشيءُ لا يعرف إلا بمشاهدَتِه أو مشَاهَدَة نظيرِه أو الخبَر الصَّادِقِ عنه، يقول: (( جَاعِل المَلَائِكَةِ رُسُلًا )) نعم، (( مُثَنَّى وثُلَاثَ ورُبَاعَ )) كيف نُعْرِب (( مُثَنَّى ))؟
الطالب: مفعول.
الشيخ : لا، نعم؟
الطالب: مُلْحَق بالـمُثَنَّى.
الشيخ : مُلْحَق بالـمُثَنَّى؟ لا.
الطالب: ....
الشيخ : طيب كَمِّل، في بَدَل أو صِفَة يصْلُح أن تكُون صِفة لكن اعْرِبْ الـمُهِم إعراب، أما محلها مِن الإعراب فالأمر جائز في هذا وهذا.
الطالب: ....
الشيخ : (( مثنى )) بدل أو صِفَة لـ(( أجْنِحَة ))، وبدَل المجرور مجرور، وعلامة جَرِّه؟
الطالب: كَسْرة مقدرة.
الشيخ : كسرة مقدرة؟
الطالب: .... الاسم اللي ما ينصرف.
الشيخ : فتحَة مُقَدَّرَة على إيش؟ على الألِف نيابةً؟
الطالب: نيابةً عن الكسرة ..
الشيخ : والمانِع مِنَ الصرف؟
الطالب: الوَصْف والعَدْل.
الشيخ : الوصْفِيَّة والعَدْل، وكذلك نقُول في (( ثلاثَ ورباع )) ولهذا قال : (( ثُلاثَ )) ولم يَقُل: ثُلَاثًا، (( ورُبَاعَ )) ولم يَقُلْ رُبَاعًا أو رباعٍ بالكسْر نعم، ما قال: ثُلَاثٍ ورباعٍ.
طيِّب (( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يشَاء )) (( يزيدُ في الخلْق )) في الـمَلَائِكَة وغيرِها " نعم، (يزيد في الخلْق) سَوَاءٌ كان في الملائكة أو في غيرِهم (( يزيدُ )) (( مَا يشَاءُ )) مما تقتَضِيهِ حِكْمَتُه سبحانَه وتعالى، ولذلك تجِد المخلوقات لها أيْدٍ وأَرْجُل بِحَسَب حاجَتِها إلى هذه الأيدِي والأَرْجُل، فَبَنُو آدم لهم أرجُل يمشُون بها، ولهم أيْدٍ يبطِشُون بها ولا يمشُون بها، لِأَنَّ هذه الأيدي مَحَلّ الأَخْذ والعَطَاء فأُكْرِمَ الإنسَان بأن تكُونَ يدَاهُ غيرَ مُسْتَعْمَلَةٍ في المشْي، بخلافِ الحَيَوان، الحيوانُ يداه مستعْمَلة في المشْي لأنَه يأخُذُ بفمِه ويعْطِي بفمِه وينقُلُ بفمِه حتى الهِرَّة إذا أرادت أن تنْقُل أولادها بفمِها، لكن الآدَمِيّ مُكَرَّم فجعَلَ الله يدَيْه غيرَ مستعملتين في المشْي، فهو يزيدُ في الخلق ما يشاء على حسَب ما تقْتَضِيه الحكمة وحاجَةُ ذلك المخلوق، وكُلُّ ما ذكرَه الله عزّ وجل مما هو مُعَلَّقٌ بمشيئَتِه فقد سبقَ لنا أنه مقرونٌ بالحِكْمة