تفسير قول الله تعالى : (( يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم )) حفظ
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )) نقول: تصْدِيرُ الخِطَاب بالنِدَاء يدُلُّ على الاهْتِمَام بِه والعِنَاية به، لأن النِدَاءَ يَتَضَمَّنُ التَّنْبِيه ولهذا إذَا قُلْت للطالِب: يا وَلد! فإنه ينْتَبِه، فتصْدِيرُ الحُكْم بالنداء يَدُلُّ على العناية به، لأن النِدَاء يُفِيد إيش؟ التنْبِيه، وقولُه: (( يا أيها الناس )) قال المؤلف: " أهلُ مَكَّة " وهذا -بلا شك- قُصُور، لأَنَّ (الناس) عَامّ والواجبُ علينا في القرآن والسُّنَّة أن نُبْقِيَ العَامَّ على عُمُومِه حتى يقُومَ دَلِيل على إِرَادِة الخُصُوص وإلَّا فإنَّ الوَاجِب إِبْقَاؤُه على عُمُومِه، لأنَّه ليس لنا حَقّ في أن نَتَصَرَّف في مَدْلُولَاتِ الأَلْفَاظ الـمُخَالِفَة لِظَاهِرِها إلا بِدَلِيلِ من الـمُتَكَلِّم، نعم، أو مَن يَتَكَلَّمُ مُبَيِّنًا كَلامَه كالرَّسُول عليه الصلاة والسلام فالنِدَاءُ إذًا إيش؟ عَامٌّ لِجَمِيعِ الناس (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ )) (( اذْكُرُوا )) الـمُرَادُ بالذِّكْرِ هُنا ذِكْرُ النِّعْمة بِالقَلْب وذكرُها باللسان وذكرُها بالفِعْل بِالجَوَارِح انْتَبِه! ذكرُها بالقَلْب بأَن يتَأَمَّلَ الإنسان مِن أين هذه النعمة أَتَتْ؟ مَنِ الذي خَلَقَك؟ مَنِ الذي أَمَدَّهُ بالرِّزْق وهو في بَطْنِ أمِّه لم يخْرُجْ مِن بَعْد؟ مَنِ الذي أعَدَّه لِقَبُولِ ما يَمُرُّ به وتصَوُّرِه وتَعَقُّلِه وتَنْفِيذِه؟ الجواب: الله فأَنت إذا تَذَكَّرْتَ في قلبِك -ونسْأَل الله أن يُعِيذَنَا وإِيَّاكُم مِن الغَفْلة- إذا تَذَكَّرْتَ في قلبِك هذه الأُمُور عرَفْت أن مَا بِكَ مِن نِّعْمَة فهو مِنَ اللهِ عَزَّ وجل فالذكر النِّعْمَةِ بالقَلْب أنَّ الإنسان يَتأَمَّل يقول: مَنِ الذي أوْجَدَنِي؟ مَن؟ أَجِبْ! الله، مَنِ الذي أَمَدَّنِي بالنِّعَم {يرْحَمُك الله} وأنا في بَطْنِ أمِّي لا يسْتَطِيعُ أحَدٌ أن يُوصِلَ إِلَيَّ لُقْمَةَ العَيْش أو جُرْعَة الـمَاء؟ هُو الله عَزَّ وجَل، ثُمَّ مَنِ الذي أَعَدَّنِي وهَيَّأَنِي لأن أَكُونَ قَابِلًا لِمَا فيه مَنْفَعَتِي في الدنيا والآخِرَة؟ اللهُ عز وجل، فالنعم إِيجَاد وإِمْدَاد، والشِقُّ الثالث: إعداد، انتَبِه! إِيجَادٌ وإمْدَادٌ وإِعْدَادٌ كل ذلك مِن الله سبحانه وتعالى هذا ذكرُها بالقَلْب، ذكرُها باللسَان أن نُثْنِيَ على اللهِ بها (( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ))[الضحى:11] فيَتَحَدَّثُ بالنِّعَم لا على سَبِيلِ الافْتِخَار ولكن على سَبِيلِ الثَنَاء، ذكرُها بالجوارح أن يُرَى أَثَرُ هذه النِّعْمة عليه فإن كَانَتِ النِّعْمَةُ عِلْمًا رُئِيَ أَثَرُ هَذَا العِلْمِ عَلَيْه بِحُسْنِ التَصَرُّف والوَقَار والسَّكِينَة والأَدَب ونَشْر العِلْم والدَّعْوَة إلى الله عز وجل، هذا مِثَال، إذا كانَ بِمَال يُرَى أثَرُ نعمَتِه عليه بالإِنْفَاق فِيما يُحِبُّهُ الله عز وجل مِنَ الزَّكَاة والنَّفَقَاتِ الوَاجِبَة والصَّدَقَاتِ الـمُسْتَحَبَّة والثِّيَاب الجَمِيلَة وما أَشْبَهَ ذلك، ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَة أَن يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِه عَلَيْه ) هذا ذِكْرٌ بماذا؟ بالجَوَارِح، فصَارَ الذِّكْر يَشْمَل ثَلَاثَة أُمور: الذكْرَ بالقَلب إيش بعد؟ واللِّسَان والجَوَارِح، ومن ذِكْرِ النِّعْمَة بِالجَوَارِحِ أَيْضًا أن يَقُوم بشُكْرِها أن يقُوم بالشكر والله عز وجل أمَرَنا بذِكْرِ نِعْمَتِه لِلْغَايَة وهي: قال تعالى: (( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ))[البقرة:152] ليس المراد أيضًا أن تَذْكُر النعْمَة فَقَطْ بل لا بُدَّ مِن قَرْنِ هذا الذِّكْر بالشُّكْر (( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ))، وقولُه: (( نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )) (( نِعْمَة )) هنا مُضَاف .. الـمُضَاف فيَشْمَل جَمِيعَ النعم وهي .... (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ))[إبراهيم:34](( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ )) قال المؤلف: " بإسكانِكم الحرم ومَنْع الغَارَات عَنْكُم " هذا التفسير بناءً على إيش؟ على أَنَّ الـمُخَاطَب أهْلُ مَكَّة ولكن نقول: (( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )) بالنِّعْمِ التي لا تُحْصَى وهي كَثِيرَة جِدًّا كما أسْلَفْنَا الأَمْثِلَةَ عليها، فكُل نعمة بالإِيجَاد إيش بعد؟ والإِمْدَاد والإِعْدَاد كل هذه مِنَ الله عز وجل (( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم ))