تفسير قول الله تعالى : (( لا إله إلا هو فأنى تؤفكون )) حفظ
فإذا كانَ الله عز وجل هو الرازق وحدَه بإقرارِكم واعْتِرَافِكم فيَجِب أن يكُون هو المعبُودَ وحدَه، لقوله: (( لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )) إعرَابُ هذه الجملَةِ العظيمة التي بها يدخل الإنسان في الإسلام أو يخرُج، يدخُل إِن أَقَرَّ بِهَا ، ويخرُجْ إن أَنْكَرَهَا، إعرابُها فيها ستُّ أوجُه للنحْوِيِّين، وألَّف بعضُ العلماء رسالة في ذلك ولكِن أحْسَن ما يُقَال في إعرابِها: أنَّ (( لَا )) نافيةٌ لِلجنس و(( إِلَهَ )) اسمُها، وخبرُها محذُوف تقديرُه حَقّ (لَا إِلَهَ حَقٌّ) و(( إلا )) أدَاة استِثْنَاء وحرْف و(( اللهُ )) بدَلٌ مِن الخبَر المحذُوف، طيب وهل النفْيُ هنا مُسَلَّطٌ على الوُجُود أو على الوُجُود بِحَقّ؟ على الوجود بحَقّ، لأنَّ هناك آلِهَة دُونَ الله تُعْبَد لكن لَيسَ بالحَقّ، قال الله تعالى: (( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ )) وقال: (( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ))[هود:101] فالآلهة موجُودة لكنَّها لا تسْتَحِقّ أن تكُون آلهَةً، لأنَّها ليس لها رُبُوبِيَّة.
(( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )) مِن أين تُصْرَفُونَ عن تَوْحِيدِه مع إقرَارِكم بأنه الخالِق " لو قال المؤلف: عن عبادته لكان أحسَن، لأن (لَا إِلَه إلا هو) هذه توحِيد رُبُوبِيَّة ولَّا ألوهية؟
الطالب: ألوهية.
الشيخ : أُلُوهِيَّة، كلمة (توحيد) تشمل -يعني- الرُّبُوبِيَّة أيضًا ولو قال: فأنَّى تُصْرَفون عن عبادَتِه وَحْدَه مع إقرارِكم أَنَّه الخالِق وحدَه لكانَ أحْسَن وقولُه: (( تُؤْفَكُون )) قال: أي تُصرفون، فالأَفْكُ بمعنى الصَّرْف، ماضِيه: أَفِكَ ومُضَارِعُهُ: يَأْفَكُ أَفْكًا مي هي إِفْكًا، أَفْكًا بالفتح، أما الإِفْك بالكَسْر فهو الكَذِب، والكَذِب في الواقع يتَّفِق مع الأَفْك مِن حيثُ المعنى، لأَنَّ الكَذِب هو الإِخْبَار بخلافِ الوَاقِع فهو صَرْفٌ لِلشَّيْء عن حَقِيقَتِه، قال الله تعالى: (( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ))[الذاريات:9] أي: يُصْرَفُ عَنْهُ مَن صُرِف، طيب إذًا (( تُؤْفَكون )) أي: تُصْرَفُون عن عِبَادَتِه وحدَه مع إقرارِكم بأنَّه الخالِقُ وحدَه، والاستفْهَام في قولِه كأنك تقول: الاستفهَام للتوبيخ والتقْرِيع يعني كيف تُقِرُّون بأنه الخالِقُ وحدَه ثم تعبُدُونَ معه غيرَه.