تفسير قول الله تعالى : (( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )) حفظ

((عَدُوًّا )) قولُه: " الشَّيْطَان " هذا اسْم للشَّيْطَان اللي هُو إِبْلِيس، وهو مُشْتَقٌّ مِن (شَاطَ يَشِيط) إذا غَضِب، أو مِن (شَطَنَ يَشْطُنُ) إِذَا بَعُد، والوَصْفَان ثَابِتَانِ للشَّيْطَان، لأنَّه عِنْدَه طَيْش وسُوءُ تَصَرُّف كَالغَضْبَان كالذي يَشِيط ..، وهو أيضًا شَاطِنٌ أي بعِيدٌ عن رحْمَةِ الله عز وجل فإن الله تعالى لعنَه قال: (( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ))[ص:78]، وقولُه: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ )) (( عَدُوٌّ )) هذه -كما تَرَون- مُؤَكَّدَة بـ(إِنَّ) واللام؟
الطالب: .....
الشيخ : واللام ولَّا لا؟
الطالب: ... جار ومجرور..
الشيخ : هذه جار ومجرُور ....؟ طيب (( لَكُم عَدُوٌّ )) ولم يقل: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوُّكُم، لِثُبُوت هذه العَدَاوَة (( لَكُمْ عَدُو )) ولهذا أتى بالجملة الاسمية الـمُكَوَّنَة مِن مُبْتَدَأٍ وَخَبَر، فـ(( عَدو )) مبتدأ مُؤَخَّر، و(( لكم )) خبر مُقَدَّم، تقْدِيمُ الخَبَر هنا يُفِيد الحَصْر يعني كأنه ليس عَدُوًّا إلا لكم، كأنه قال: ليس عدوًّا إلا لَكُم، ومَعْلُوم أنَّ مَن انحصَرَتْ عداوَتُه في شَخْص فإنه يَجِبُ عليه أن يحتَرِزَ مِنْه أَكثَر وأكثر، وقولُه: (( عَدُو )) على وزن فَعُول فهي صِفَة مُشَبَّهَة، والعَدُوُّ ضِدُّ الوَلِيّ، فإذا كانَ الوَلِيُّ هو النَّاصِر الـمُتَوَلِّي لأمرِك المعتَنِي به، فالعَدُو هو الخَائِن الذي لا يَهُمُّه أمرُك، فالشيطان عَدُو يقول الله عز وجل: (( فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا )) لَمَّا أكَّدَ أنَّه عَدُوٌّ لنا أكَّدَ على ذَلك قال: (( فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا )) والفَاء هنا يُسَمُّونَهَا فاء التفْرِيع أي فبِسَبَبِ ثُبُوتِ كَوْنِه عدُوًّا اتَّخِذُوه عَدُوًّا يعني اجْعَلُوه عدوًّا لكم بحيث تنفُرُون منه نُفُورَكم مِنَ الأعداء، فإذا قال قائل: ما الذي يدُلُّنا على عداوَتِهِ أو كيف نتَّخِذُه عَدُوًّا؟ الجواب: نَتَّخِذُه عَدُوًّا بكراهَتِه وبغْضِه وبِعَدَم الانصِيَاع لأمرِه وَوَسْوَسَتِه لأنَّه هو كما قال الله عنه: (( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ))[البقرة:268] هو لا يأْمُر إلا بالفَحْشَاء والسُّوء ومعصِيَةِ اللهِ عز وجل، فإذا أحسَسْت مِن نفسِك أنك تهْوَى المعصية فاعلم أن هذا مِن إملاء إبلِيس مِن إِمْلَاء الشيطان فيجب عليك أن تَنفُر مِن هذا، لأن هذا صادِرٌ مِن عَدُوٍّ لك لا يرِيد إلا إِضْرَارَك وخُذْلَانَك ولهذا قال الله تعالى: (( إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) قال المؤلف: " فَاتِّخِذُوهُ عَدُوًّا )) بطَاعَةِ الله ولا تُطِيعُوه " يعني أطِيعوا الله ولا تُطِيعوا الشيطان، وأنتم إذا أطعْتُم الله فإنَّ هذا أعظَم سِلَاح يُغِيظ هذا الشَّيْطَان اللي هو عَدُوٌّ لكم فإذا أطعْتَ الله عز وجل فإنَّك بذلك تُغِيظُ الشيطان وتَدْحَرُه وتُذِلُّه كما أنَّك تُذِلُّ أوليائَه أيضًا وتَغِيظُهم قال الله عز وجل: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا )) إلى أن قال: (( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ))[الفتح:29] فهؤلاء القَوْم بصِفَتِهم المذْكُورة يَغِيظُون الكُفَّار، والكفارُّ أوْلِيَاءُ الشَّيْطَان، وإذا كانوا يَغِيظُون الكُفَّار فإنهم يَغِيظُون أيضًا الشَّيْطَان، فأعظم شيء لِإِغاظة الشيطان هو أن تَقُوم بطاعَةِ الله عز وجل، يُرْوَى أنَّ الشيطان يقول عن بني آدم: أهلكْتُهم بالذُّنُوب وأهلَكُوني بـ(لا إله إلا اللهُ) والاستغْفَار، فالتَّوحِيد وسؤال المغفرة لاشك أن يُغِيظُ الشَّيْطَان.
يقولُ الله عزَّ وجل: (( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ )) أتباعَه في الكفر (( لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) النارِ الشَّدِيدة " (( إنما يدعو )) ( إنَّمَا ) أدَاة حَصِر تُفِيد إثبَات الحُكْم لِلمَذْكُور ونفْيَه عمَّا سِوَاه يعني ما يدعُو حزبَه إلا لِهذا العَمَل بأَن يكونُوا مِن أصْحَابِ السَّعِير، واللام في قولِه: (( لِيَكُونُوا مِن أصْحَابِ السَّعِير )) اللام هذه للعَهْد يعني يدْعُو حزبَه لِلشَّرّ والفحْشَاء لِأَجل أن يكونُوا مِن أصحاب السعير، وقولُ المؤلف " (( حزبَه )) أتباعَه في الكُفْر " قد يُقال: إنَّ فيه قُصُورًا، لِأَنَّ حِزْبَ الشيطان الحِزْبَ المطْلَق لاشَك أنهم كفار، لكن من عَصَى اللهَ عز وجل ولو لم يكن كافرًا في مَعْصِيَةٍ مِن المعاصِي فله مِن حِزْبِيَّةِ الشيطان بقدْرِ ما عَصَى الله، لكن الحزْبُ المطْلَق هم الكفار قال: (( ليكونوا من أصحاب السعير )) يعني مِن أَصْحَابِ النار، والسعير هو النَّار الشَّدِيدَة وإنما يدعوهم لذلك، لأنه لَمَّا غَوِى والعِيَاذُ بالله وتَكَبَّر عن طاعَةِ الله قال: (( قَالَ رَبِّ بمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ))[كذا] (( قَالَ فبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ))[كذا] لما خُذِل -والعِيَاذُ بالله- وطُرِد وصارَ غاوِيًا حَرِصَ على أن يكون له أتْبَاع في غَيِّهِ، وهذا أمْرٌ مُشَاهَد أهل الحق يَوَدُّون أن يكونُ لهم أتبَاعٌ في الحَقّ، وأهل الباطل يَوَدُّونَ أن يكُون لهم أتبَاعٌ في البَاطِل، فالشَّيْطان والعِياذ بالله لَمَّا كان مِن أصحاب النار أحَبَّ أن يكون الناس أي بَنِي آدَم أن يكُونَ الناسُ كلُّهم مِن أَصْحَابِ النَّار، هؤلاء الذُّرِّيَّة ذُرِّيَّة آدم ولَّا لا؟ وشَقَاءُ إبليس إنما كان لِتَرْكِهِ السُّجُود لآدَم فلا جَرَم أن يُضْلِل ذُرِّيَّتَه وأن يُحَاوِل بكل ما يستطيع إغوائَهم حتى يكونوا مِن أَصْحَابِ النَّار.