تفسير قول الله تعالى : (( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير )) حفظ
وأما غيرُهم قال: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ )) (( الذين آمنوا )) الإيمَان مَحَلُّه القَلْب أي صَدَّقُوا بما يَجِبُ الإيمانُ به مَعَ القَبُول والإذْعَان، انْتَبِه والإيمان ليس مُجَرَّد التصديق بل هُو تصْدِيقٌ مقْرُونٌ بقَبُولٍ وإِذْعَان، قَبُولٍ و.. لِما آمَنَ به، وإِذْعَانٌ يقتَضِيهِ هذا الإِيمَان، أما مُجَرَّدُ التَّصْدِيق فليس إِيمَانًا، ولو شِئْتُم لَضَرَبْنَا مثلًا بأبِي طَالِب فَإِنَّ أبا طالب كان مُصَدِّقًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولكنَّه لم يأْبَه ولم يُذْعِن فلم يَنْفَعْه هذا التصديق، فالذين آمنوا أو صَدَّقُوا بما يجِبُ الإيمانُ به تصديقًاً مُسْتَلْزِمًا لِإِيش؟ لِلْقَبُول والإِذْعان وأما قوله: (( وَعَمِلُوا الصَّالِحَات )) فلابُدَّ مِن العمل الصالح حتى يَتِمَّ الإيمان ويتحَقَّق ويَتَبَيَّن، العمَلُ الصالح قال العلماء: " هو الذي كان خالِصًا صَوَابًا "، خالِصًا لِمَن؟ لله، صَوَابًا في مُوَافَقَةِ شَرِيعَةِ الله، وهذا التَّعْرِيف يَعُمُّ هذه الكلمة وغيرُها، فما كان خالِصًا لله مُوَافِقًا لشريعته فهو صَالِح، وما لم يكن كذلك فهو فَاسِد، فلو فُقِد الإِخْلَاصُ مِن العَمَل لم يكُن صَالِحًا، ولو وُجِدَ الإخْلاص لكن لم يَكُن على وَفْق الشريعة لم يكُن صَالِحًا، وعلى هذا فالأعْمَالُ البِدْعِيَّة وإنْ أَخْلَص فيها صاحبُها ليسَتْ بِصَالِحَة، والأعمَال الشَّرْعِيَّة إذا شارَكَها الرِّيَاء وإرَاءَة الخَلْق لم تكن صالِحَةً، وقولُه: (( عَمِلُوا الصالحات )) هذه تَتَكَرَّر في القرآن كَثِيرًا، وهي - على ما النَّحْوِيُّون- مِن باب حَذْفِ المنْعُوت ووُجُود النَّعْت لِلدَّلَالة عليه، ولَّا لَا؟ لأَنه الأصل: وعمِلُوا الأعْمَال الصالِحَات.
(( لهم مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ )) ففي (الذين آمنوا وعمِلوا الصالحات) ذَكَرَ عَمَلَيْن لهم وذَكَرَ لهم جَزَائَيْن، الذين كفروا ذَكَرَ عَمَلًا واحِدًا وجَزَاءً واحِدًا، (( الذين كَفَرُوا لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ )) العَمَل الكفر، والجزاء العذاب الشديد، أمَّا الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات فهذان عَمَلان، والجزاء (( لهم مغفرَة وأجْرٌ كبير )) مَغْفِرَةٌ لذنُوبِهم (( وأجرٌ كبير )) على أعمالِهم الصالِحَات، والمغفرة هي صَرْفُ الذَّنْب والتَّجَاوُزُ عنه لأنها مَأْخُوذَة مِن الـمِغْفَر وهو ما يُسْتَرُ به الرأس للوِقَاية مِن السهام وهذا لا يكُونُ إلا إذا كان قَوِيًّا يمْنَع، وليست الـمَغْفِرَة مُجَرَّد السَّتْر، لِأن مُجَرَّد السَّتْر والعُقُوبَة ليس بِمَغْفِرَة بل لابُدَّ مِن أمرين: السَّتْر وعَدَم الـمُؤَاخَذَة، وقوله: (( وأَجْرٌ )) الأَجْر الثَّوَاب الذي يُجَازَى به العامِل، حتى الأُجْرَة مثلًا إذا استأْجَرْتَ رَجُلًا يعمَلُ لك عملًا وأعطَيتَه أُجْرَة فهذا أجْر، وسَمَّى الله عز وجل الثواب أجرًا، لأنه لابُدَّ أن ينالَه العامِل فهو كَأُجْرَةِ .. والمسْتَأْجَر أو كأُجْرة الأَجِير فلابد أن ينالَه العامل وهذا كقوله تعالى: (( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا )) فسَمَّى العمَلَ للهِ قرضًا، لأَنَّ القرض يَجِبُ الإيفاء به فمِثْل هذه الآيات تَدُلُّ على أنَّ الله عز وجل أَوْجَبَ على نفسِه أن يُثِيب العَامِل، وقولُه: (( أجر كبير )) كبيرٌ في حَجْمِه أو كبيرٌ في معناه؟ أو الجميع؟ لأَنَّ الإنسان في الجَنَّة ينظُر إلى، أدْنَاهم مَنْزِلَة مَن ينظُر إلى مُلْكِهِ مَسِيرَةَ ألْفَيْ عَام، ينظر أقصَاه كَما ينْظُر أَدْنَاه، وهذا لا شَكَّ أنه كبيرٌ واسِع، وكذلك في المعنى، لأنَّه دَائِم وثَابِت، طيب قال: " هذا بَيَانُ ما لِمُوَافِقِي الشَّيْطَان ومَا لِمُخَالِفِيهِ " مُوَافِقِي الشَّيْطَان مَن هُم؟ الذين كَفَروا، ومُخَالِفُوه؟ الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات، إذًا يجِبُ علينا أن نَتَّخِذَ الشيطانَ عَدُوًّا بالإيمان والعمل الصالح