تفسير قول الله تعالى : (( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء )) حفظ
(( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) وعلى هذا فالفاءُ هنا ليست واقِعَةً في خبر المبْتَدَأ بل خبَرُ المبتدأ مَحْذُوف، لكنَّها عطْفٌ على ذلك الخَبر أي فَإِنَّ اللهَ يضِلُّ مَن يشاء عن الحق فلا يهتَدي إليه (( ويهدي من يشاء )) إلى الحَقّ فَيَلْتَزِمُه، وهنا يقُول: (( يُضِلُّ من يشاء )) يمُرُّ علينا كثيرًا تعلِيق الأشياء بالمشِيئَة ولكنَّنا قلنا ونقُول: إنَّ هذه المشيئة مقْرُونَة بالحكمة، فمَنِ اقْتَضَتْ حكمةُ اللهِ عز وجل أن يَضِلّ أَضَلَّه ومَنِ اقتَضَتْ حكمَتُه أن يَهْدِيَه هداه، مَن الذي تقتضي حكمةُ الله عز وجل أن يُضِلَّه؟ هو الذي أَرادَ الضلال كما قال تعالى: (( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ))[الصف:5] فإذًا إضلالُ الله تعالى لِلعبد في محلِّه وذلك بأن يكون هذا الرجل لا يريد الخير وإنَّما يريد الشَرّ واعْلَمْ أنَّ الهِدَايةَ والضلال إمَّا عَدْل وإما فَضْل، الضَّلَال عدْل لأنه جُوزِيَ بحسَب ما أرَاد، لَمَّا أرادَ الضَّلال - والعياذ بالله - وزاغَ قلبه أُزِيغ، وأمَّا الهِدَاية فإنَّها فَضْل فَضْلٌ مِن الله عز وجل يتَفَضَّلُ بها على مَن يشاءُ مِن عِبَادِه ولهذا نقول: لو قال قائل: كيف يجْعَلُ الله تعالى هذا مُهْتَدِيًا وهذا ضالًّا أليس هذا ظُلْمًا؟ فالجواب: لا، لأن مَنْع الهداية مِن هذا المقْتَضَى، الضَالّ إنَّما هو بِمُقْتَضَى عدلِه أما هِدَايَةُ المهْتَدِي فهو بفَضْلِه فنقول: إن مَنَعَكَ ما هُو لك فقد ظَلَمَك وإن منَعَك فضله فَفَضْلُ الله يؤتيه ما يشَاء ولولا أنَّك لستَ أهلًا للهداية ما منعَك اللهُ الهداية.