تفسير قول الله تعالى : (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )) حفظ
(( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )) (( إليهِ )) جارّ ومجرور مُقَدَّم على عاملِه وهو: (( يصعد ))، والضمير في (( إليه )) يعود إلى الله عز وجل، لما ذَكَرَ أن العزةَ لله جميعًا بين سبحانَه وتعالى ما يكُون مِن أسباب العزة فقال: (( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ )) قوله: (( يصعَد )) أي يرْتَفِع ويَعْرُج (( الكَلِم الطيب )) يقول المؤلف: " يَعْلَمُه " فَفَسَّرَ صُعُودَ الكلم الطيب بعِلْمِ اللهِ إيَّاه، وهذا تحرِيفٌ للكَلِم عن مواضِعِه، بل المرادُ بالآية ما هو ظاهرُها أنَّ الكلمَ الطيب يصعَد إلى الله يعني يعرُج إلى الله عز وجل، لكن المؤلف غفرَ الله لنا وله أرادَ أن يُبْعِد عن إثباتِ العُلُوِّ الذَاتِيَ فقال: " يعلَمُه " ولو كانَ المراد العِلْم ما قال: (( إليه يصعد ))، لأنَّ العلم لا يلزَمُ منه الصُّعُود بل قد يكون العالِم بالشيء أَنْزَلَ مِن الشيء أليس كذلك؟ كما لو كنْتَ في أسْفَلِ البِئْر وأنت تعلَم ما فوق، على كُلِّ حال هذه هَفْوَة مِن المؤلف نسْأَلُ الله أن يعفُوَ عنه ونقول: إلى الله يصْعَدُ أي يرتَفِع الكلمُ الطيب، لأَنَّ الله عز وجل في العُلُوّ، وأدلة العُلُّو قد بُيِّنَت في العَقَائِد وأنها أربعةُ أنواع: الكتابُ والسُّنَّة والإجماع والعقْل والفِطرَة خمسة أنواع كلها مُتَّفِقَة على عُلُوِّ الله سبحانه وتعالى بذاتِه، وقد مرَّ علينا في كتاب الإقماع أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله يقول: " مَن زَعَم أنَّ الله معنا بذاتِه بالمكَان فهو كَافِرٌ " يقول هنا: (( الكلمُ الطيب )) كَلِم اسم جمْع كَلِمَة فهو دالٌّ على الجمع، وما المراد بالكلم الطيب؟ الكلمُ الطيب هو كُلُّ كلمٍ يُقَرِّبُ إلى الله عز وجل، كُلُّ كلمٍ يُقَرِّب إلى الله فهو كَلِمٌ طَيِّب، فـ(لا إله إلا الله) مِنَ الكلمِ الطيب، و(سبحان الله) و(الحمد لله) و(الله أكبر) كُلُّها مِن الكلمِ الطيب، والقرآن مِن الكلم الطيب، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر مِن الكلم الطيب، وقراءةُ العِلْم من الكلم الطيب، وكلُّ قولٍ يُقَرِّب إلى الله فهو مِن الكلم الطيِّب، والكلمُ الطيب يقابلُه نوعَان مِن الكلام: كَلمٌ رَدِئٌ خبِيث، وكلمٌ لا هذا ولا هذا، لا يوصفُ بأنَّه طيِّب ولا يُوصَف بأنَّه خبيث، أمَّا الكلِمُ الخبيث فكَكَلِمَةِ الكُفْر والسَبّ والشَّتْم واللَّعْن لِمَن لا يحِلّ سَبُّه ولا شَتْمُه ولا لَعْنُه، وأمَّا الكلم الذي لا هذا ولا هذا فهو أكْثَرُ كلامِ الناس والصنفانِ جميعًا لا يُرْفَعَانِ إلى الله، أما الأول، فلأنَّه خبِيث واللهُ تعالى طيبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وأما الثاني: فلأنَّه لم يُقْصَد به الله عز وجل حتى يُرْفَعَ إلى الله، وهذا الثاني أعني الذي ليس هذا ولا هذا قد يكون طَيِّبًا لا لذاتِه ولكن لغيرِه لِمَا يُوصِل إليه مِن المقاصد الحسنة فإنَّ الإنسان قد يتحدَّث إلى شخص كلامًا ليس هو خيرًا في نفسِه لكن يَقْصِد به التألِيف لهذا الرجل وإدْخَال الأُنْس عليه والسُّرُور فيكون هذا الكلام الذي هو لغوٌ في نفسِه يكون محمودًا لِمَا قُصِد به، كما أن هذا الكلام الذي هو لغوٌ في نفسه إذا قُصِدَ به الإساءة إلى مَن لا تحِلُّ الإساءةُ إليه صار كلامًا خبيثًا لغيرِه ولَّا لذاتِه؟ لغيرِه أي لِمَا قُصِد به، وعلى كلٍّ فالكلمُ الطيب لذاتِه أو لغيرِه يَصْعَدُ إلى اللهِ عز وجل، فإن قلت: كيف يصعَدُ الكلِمُ الطيب والكلِمُ ليس جُرْمًا؟ الكلِم ليس جُرْما بل أصواتٌ تُسْمَع بحركاتٍ معينة في الفَم واللِّسَان والشَّفَة؟ فالجواب أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يجعلَ المعقول شيئًا محسُوسًا كما ثبتَ في الحديثِ الصحيح أنَّ الموت يُؤْتَى به على صورة كَبْشٍ أبيض فيُذْبَح بين الجنةِ والنار ويقال لِأهلَ الجنة: خُلُودٌ ولا موت، ولِأهْلِ النار خُلودٌ ولا موت.
وقولُه: (( الكلمُ الطيب )) إنما جمعَه، لكثرةِ أنواعِه، وكثرة الأنواع تدُلُّ على كثرة الأفرَاد مِن بابِ أولى، الأنواع كثيرَة والأَفرادُ في كل نوع كذلك كثيرةٌ فلهذا جمعَ.
(( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )) يقبَلُه " أفادَنا المؤلف بقوله: " يقبلُه " أن الفاعِل في (( يرفعُه )) يعود إلى الله (( يرفعُه )) يعني الله، وأنَّ الهاء في (( يرفعُه )) تعود إلى العمَل الصالح، يعني والعمل الصالحُ يقبلُه الله فكَوْنُ الضمير يعُود على الله ضميرُ الفاعل، وضمِير المفعُول يعود إلى العَمَل هذا لا نُنَاقِشُ المؤَلِّف فيه، لأنه مُحْتَمِل، لكنَّنا نناقِشُه في تفسيرِه الرفعَ بالقَبُول وكلُّ هذا فِرارًا مِن إثبات العلُوِّ الذاتِيّ غفرَ الله له، بل نقول: معنى (( يرفعه )) أي يرفَع هذه العمل مِن الرفع الذي هو ضد النُزُول يرفعُه إليه سبحانه وتعالى لأنَّه فوق، وهذا التفسِير في مَرْجِع الضَمَائِر الذي ذكرَهُ المؤلف هو أحدُ التفاسير المذكورة في هذه الآية.
التفسير الثاني: والعملُ الصالح يرفعُه الكلمُ الطيب، فجعَلَ ضميرَ الفاعل يعود على (الكَلِمُ الطيب) وجعلَ الهاء تعود على (العمل الصالح) فيكونُ العملُ الصالح مرفوعًا بالكلِم الطيب، واحتَجَّ هؤلاء بأنَّ العمَل الصالح لا يُقْبَل إلا بالإسلام وهو الكَلِمُ الطيب الذي هو (لا إله إلا الله) فإنَّ الإنسان لو عَمِل مِن العمل الصالح الشيء الكثير ولكنه غيرُ مسلم لا يرتَفِعُ هذا العمل، فلا يرفَعُ العملَ الصالح إلا الكلم الطيب.
والقول الثالث: بالعكس يقول: والعمَلُ الصالح يرفَعُ الكلمَ الطيب فيكونُ الفاعِل في (يرفَع) العملَ الصالح، والمفعول الكلم الطيب عكس الذي قبلَه، ما وجْهُ ذلك؟ يقول: العمَلُ الصالح يرفع الكلِمَ الطيِّبَ، لأن الكلمَ الطيِّب بدُون عَمَل لا ينفَعُ صاحبَه فلابُدَّ في الكلمِ الطيب مِن عَمَلٍ صالِح يرفَعُ ذلك القَول الطَيِّب نعم، والأقرب والله أعلم أنَّ ما ذهبَ إليه المؤلِّف هو الصواب أي أنَّ الله يرفَعُ العمل الصالح يرفعُه كما أنَّ الكلم الطيب يصعَد إلى الله فإذا صَعِدَ الكلم الطيب إلى الله امْتَنَّ اللهُ على هذا المتكلم بأَنْ رفَعَ العَمَل الصالح الذي يعملُه، إلا أنَّنا لا نُوَافِق المؤلِّف في تفسِير الرفْع بالقَبُول، نُوافِقُهُ على مرجِع الضمائِر لكن لا نوافِقُه على تفسيرِ الرفع بالقبُول، وحينئِذٍ نقول: والعملُ الصالح يرفعُه مَن؟ يرفعُه الله عز وجل، العملُ الصالح يرفعه الله، فيكون الله عز وجل في هذه الآية ذكَر القَوْل والعَمَل فذَكَر أن القَوْلَ يصْعَد وأنَّ العَمَلَ يُرْفَع، لأنَّه أي رَفْعَ العَمَلِ كالجَزَاءِ على الكلِمِ الطيِّب فإذا تكَلَّم الإنسَانُ بالكَلِمَة الطيبة وصَعِدَت إلى اللهِ عز وجل قَبِلَها ثم رَفَع العَمل الصالح، (( والعمل الصالح يرفعه )) ويقول:
وقولُه: (( الكلمُ الطيب )) إنما جمعَه، لكثرةِ أنواعِه، وكثرة الأنواع تدُلُّ على كثرة الأفرَاد مِن بابِ أولى، الأنواع كثيرَة والأَفرادُ في كل نوع كذلك كثيرةٌ فلهذا جمعَ.
(( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )) يقبَلُه " أفادَنا المؤلف بقوله: " يقبلُه " أن الفاعِل في (( يرفعُه )) يعود إلى الله (( يرفعُه )) يعني الله، وأنَّ الهاء في (( يرفعُه )) تعود إلى العمَل الصالح، يعني والعمل الصالحُ يقبلُه الله فكَوْنُ الضمير يعُود على الله ضميرُ الفاعل، وضمِير المفعُول يعود إلى العَمَل هذا لا نُنَاقِشُ المؤَلِّف فيه، لأنه مُحْتَمِل، لكنَّنا نناقِشُه في تفسيرِه الرفعَ بالقَبُول وكلُّ هذا فِرارًا مِن إثبات العلُوِّ الذاتِيّ غفرَ الله له، بل نقول: معنى (( يرفعه )) أي يرفَع هذه العمل مِن الرفع الذي هو ضد النُزُول يرفعُه إليه سبحانه وتعالى لأنَّه فوق، وهذا التفسِير في مَرْجِع الضَمَائِر الذي ذكرَهُ المؤلف هو أحدُ التفاسير المذكورة في هذه الآية.
التفسير الثاني: والعملُ الصالح يرفعُه الكلمُ الطيب، فجعَلَ ضميرَ الفاعل يعود على (الكَلِمُ الطيب) وجعلَ الهاء تعود على (العمل الصالح) فيكونُ العملُ الصالح مرفوعًا بالكلِم الطيب، واحتَجَّ هؤلاء بأنَّ العمَل الصالح لا يُقْبَل إلا بالإسلام وهو الكَلِمُ الطيب الذي هو (لا إله إلا الله) فإنَّ الإنسان لو عَمِل مِن العمل الصالح الشيء الكثير ولكنه غيرُ مسلم لا يرتَفِعُ هذا العمل، فلا يرفَعُ العملَ الصالح إلا الكلم الطيب.
والقول الثالث: بالعكس يقول: والعمَلُ الصالح يرفَعُ الكلمَ الطيب فيكونُ الفاعِل في (يرفَع) العملَ الصالح، والمفعول الكلم الطيب عكس الذي قبلَه، ما وجْهُ ذلك؟ يقول: العمَلُ الصالح يرفع الكلِمَ الطيِّبَ، لأن الكلمَ الطيِّب بدُون عَمَل لا ينفَعُ صاحبَه فلابُدَّ في الكلمِ الطيب مِن عَمَلٍ صالِح يرفَعُ ذلك القَول الطَيِّب نعم، والأقرب والله أعلم أنَّ ما ذهبَ إليه المؤلِّف هو الصواب أي أنَّ الله يرفَعُ العمل الصالح يرفعُه كما أنَّ الكلم الطيب يصعَد إلى الله فإذا صَعِدَ الكلم الطيب إلى الله امْتَنَّ اللهُ على هذا المتكلم بأَنْ رفَعَ العَمَل الصالح الذي يعملُه، إلا أنَّنا لا نُوَافِق المؤلِّف في تفسِير الرفْع بالقَبُول، نُوافِقُهُ على مرجِع الضمائِر لكن لا نوافِقُه على تفسيرِ الرفع بالقبُول، وحينئِذٍ نقول: والعملُ الصالح يرفعُه مَن؟ يرفعُه الله عز وجل، العملُ الصالح يرفعه الله، فيكون الله عز وجل في هذه الآية ذكَر القَوْل والعَمَل فذَكَر أن القَوْلَ يصْعَد وأنَّ العَمَلَ يُرْفَع، لأنَّه أي رَفْعَ العَمَلِ كالجَزَاءِ على الكلِمِ الطيِّب فإذا تكَلَّم الإنسَانُ بالكَلِمَة الطيبة وصَعِدَت إلى اللهِ عز وجل قَبِلَها ثم رَفَع العَمل الصالح، (( والعمل الصالح يرفعه )) ويقول: