تفسير قول الله تعالى : (( والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا )) حفظ
ثم قال تعالى: (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ )) وهذا مُبْتدا الدرس الجديد (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ )) لَمَّا بَيَّن سبحانه وتعالى ما سَبَق مِن الآيات الدَالَّة على قُدْرَتِه مِن إرْسَالِ الرِّيَاح وإثارَة السَّحاب وسَوْقِه إلى الأرض الميِّت وإحياء الأرض بعد موتِها وأنَّ الأعمال تُرْفَع إلى الله عز وجل وكذلك الأقوال، الأعمَال مِن أقْوَال وأفْعَال تُرْفَع إلى الله قال هنا: (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ )) هذا باعتِبَار الأَصْل الذي هو آدَم ولهذا قال: " بِخَلْقِ أَبِيكم آدَمَ مِنْه " لِأنَّ الله تعالى خَلَقَه مِن تُراب وهذه الآية كما تَرَوْن فيها أنَّ الله خلقَه مِن تُرَاب، وفي آية أخرى أنه خلقَه مِن طين، وفي آية ثالثة أنه خلقَه مِن صلصال كالفَخَّار، وفي آيةٍ رابعة مِن حَمَإٍ مسْنُون فما هو الجواب عن هذا التغَيُّر؟ الجَوَابُ أنَّ هذا تغيُّر أوصَاف وليس تغَيُّرَ ذَوَات، تَغَيُّرُ أوْصَاف وليسَ تغَيُّرَ ذَوَات، وحينئذ فلا تَنَاقُض إذ يجوز أن تَتَعَدَّد الأوصَاف على مَوْصُوفٍ واحد قال اللهُ تعالى: (( سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى )) مع أنَّه واحِد، الحاصِل أنَّه هنا أن يُقَال في هذا التَغَيُّر تغَيُّر أوصاف لا تغير ذوات وأعْيَان فالعَيْن واحِدة، لكن أوَّلُها التُّرَاب فإذا أُضِيفَ إليها الماء صارت طِينًا، فإذا أَبْطَأ وأَخَذَ مُدَّة صار حَمَأً مسنونًا مُتَغَيِّرًا، نعم، يعني الطين إذا حَطَّ فيه الماء تجده يَسْوَدّ ويكون له رائِحَة، والرابع مِن صَلصال كالفَخَّار هذا بعد أَن كَان حَمَأً مَسْنُونًا يَبِس وصَار صَلْصَالًا كالفَخَّار، ثم نَفَخَ الله فيه الروح فيكون هذا التغَيُّر إيش؟ تغير أوصاف والأصلُ فيه التراب واضح؟
قال: (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ )) (( ثُم )) أتى بـ(( ثم )) الدالَّة على الترَاخِي والترتِيب، لأن (ثم) تدل على التراخي والترتِيب، والفاء تدل على الترتِيب بدون تراخي، هنا قال: (( ثم مِن نطفة )) نعم، لأنه لما خلق آدَم -سبحانه وتعالى- وخلقَ ذرِّيَّتَه تَنَاسَلَ هَؤلاء الذُّرِّيَّة بِوَاسِطَة هذا الماء الذي هو النطفة، والنطفة هو الماء القلِيل.
قال: (( ثم مِن نطفة )) أي مَنِيٍّ يخلُق، عندكم (بخلق)؟ " بِخَلْقِ ذُرِّيَّتِه منها " أي مِن هذه النُّطْفَة، والعجيب أن هذه النُّطْفَة القَلِيلة يذْكُرُ عُلماءُ الطِبّ أنها تَشْتَمِل على مَلَايِين مِن الحيوانات المـَنَوِيَّة، وهذه .... يزعمون أنها ملايين -وهم أعلَمُ مِنَّا بذلك- يعني لا يصلُح مِنْهَا إلَّا وَاحِد في الغالب أو اثْنَان أو ثلاثة أو أرْبَعَة هذا .. ما سمِعْت أنَّه يَلِج في المرأة أربعَةُ آلاف يبقى فيهم واحِد، والله على كل شيء قدير قد يزيد (( يزيدُ في الخلق ما يشاء ))، يقول: (( ثم من نطفة )) (( ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا )) ذُكورًا وإناثًا، قولُه: (( أزواجًا )) فسَّر المؤلف هنا الأزواج بالذكُورِيَّة والإناث نعم