تفسير قول الله تعالى : (( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )) حفظ
ثم قال تعالى: (( وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ )) ما .. و(( يستوي )) بمعنى يتساوى ويتماثَل (( البحران )) وهذا مُجْمَل، والبحرُ هو المـَاءُ الكثير، فكل ماءٍ كثِير يُسَمَّى بَحْرًا، البَحْرَان هُنَا مُجْمَل فَسَّرَه عزَّ وجل بقولِه: (( هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ )) (( هذا عذب فرات )) العَذْب معناه: الحُلْوُ المـُسْتَسَاغ شُرْبُه، والفُرَات يقول المؤلِّف .. تفسيرِه: "شديدُ العذوبة (( سائِغٌّ شَرَابُه )) أي شُرْبُه" (( سَائِغٌ )) سَهْل ومُيَسَّر لأنَّه حُلْو عذب وليس فيه ما يُكَدِّرُه بوساخَة أو حَرارَةٍ زَائِدَة أو بُرُودَةٍ زَائِدَة المهِم أنَّه عَذْبٌ فُرَات سائِغ شرابه.
الثاني: (( وهذا مِلْحٌ أجاج )) شدِيدُ الملوحَة " مِلْح شَدِيد الملُوحَة هل يسْتَوِيان؟
الطالب: لا يستويان.
الشيخ : لا، وهل هذا يُرَادُ به الحقِيقة أو هو مثلٌّ ضَرَبَهُ اللهُ تعالى للمؤْمِن والكافِر؟ قيل: إنَّه يرَادُ به الحقِيقَة بدليلِ قولِه: (( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا ))، وقيل: إنه يرادُ به مَثَل ضربَه الله تعالى للمُؤْمِن والكافِر، فالمؤْمِن بمنزِلَة العذْب الفُرَات، والكَافِر بمنزِلَة المِلْحِ الأُجَاج، ولكن لدينا قاعِدة قاعِدة في الكلام أنَّه إذا دارَ الأمرُ بين أن يكون حَقِيقة أو غير حَقِيقَة وجب أن يحمل على الحقِيقَة، فهو إذًا حقيقة، ويؤَيِّدُهُ أيضًا قولُه: (( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا )) فإِنَّ مِثْلَ هذا الترشيح يدُلُّ على أنَّه حقِيقة وليس بمجَاز، على أننا نقول: إنَّه لا مجازَ في القرآن ولا في غيرِه كما مرَّ علينا كثيرًا، ولكن مَعَ هذا لا بأْسَ أن ننتقل مِن نفْيِ اتصالٍ بين هذَيْن البحرَيْن ونفي اتِّصَالٍ بين كُلِّ شَيْئَيْنِ متغَايِرَيْن، يعني لا مَانِعَ مِن أن يَنْتَقِل الذِّهْن مِن انتفاء التَّسَاوِي بين هذين المـَحْسُوسَيْن إلى انتفاء التساوي بيْن الأُمُور المـَعْقُولة .. ، قال: (( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا )) (( مِن كُلٍّ )) متعلِّق بقولِه: (( تأكُلُون )) (( لَحْمًا طريًّا )) هو السَّمك "
الطَرِي معناه الذي لم يَتَغَيَّر بِنَتَن وهذِه مِن خَصَائِصِ السَّمَك أنَّه لو مَات فإنَّه طَرِي كما قال اللهُ تعالى: (( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ))[المائدة:96] قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: " صَيْدُهُ مَا أُكِلَ حَيًّا وطعامُه ما أُكِل مَيِّتا ".
ثانيًا: مِن فوائِد هذا المثل (( وَتَسْتَخْرِجُونَ )) مِن الـمِلْح وقِيلَ: مِنْهُمَا (( حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا )) و" هي اللُّؤْلُؤ والمرجان " كما قال تعالى: (( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ))[الرحمن:22] وقد اختَلَفَ النَّاس هل هذا لا يخرُج إلا مِنَ المـَالِح أو يخْرُج من المـَالِح والعَذْب؟ فأكثَرُ المفَسِّرِين على أنَّه لا يخرُج إلَّا مِن المـَالح وحَمَّلُوا قوله تعالى: (( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ )) على أنَّ المراد من مجْمُوعِهِمَا لا مِن جَمْعِهِمَا مِن مجْمُوعِهِمَا لا مِنَ الجَمِيع، فهنا إذا قُلْنَا: عندنا بَحْرَان عَذْب ومالِح يخرُج منهما لؤلؤ ومرجان، منهما أي مِن المجمُوع لا مِن الجمِيع بحيث يعني كُلَّ واحد، ولكن الصحيح أنَّه يخرُج من الجميع لأن هذا ظَاهِرُ القرآن والله سبحانه وتعالى أعلَم بما خَلَق كونه يخرُج منهما، وقد ثَبَتَ الآن أنَّه يخرُج اللؤلؤ والمرجان مِن هذا ومن هذا، ولهذا قال المؤلف: " وقِيلَ: منهما " أي، نعم.
(( حِلْيَةً تلْبَسُونَها )) وذكر اللُّبْس، لأنَّه غايَة ما يُنْتَفَعُ به في هَذِهِ الحِلْيَة، وإِلَّا مِن المعلوم أنَّ مَن يَسْتَخْرِج هذه الحِلية يتخذُها تجارَة، وتجارَةُ اللؤلؤ والمرْجَان فيما سَبق وإلى الآن لم تزَلْ تجارَةً قويَّة، لكن هؤلاء التجار الذين يَتَّجِرُون بها وش الغرض مِن ذلك؟ اللُّبس، لِأنَّ الذي يشتَرِيها منهم يريدُ بها اللُّبْس، طيب وهذا يقُول لَّك: تكَسُّب وسنبِيعها على من؟
الطالب: يلبسُها.
الشيخ : يلبسُها، فَذَكَرَ في الآيَة .. بحرَين مَنْفَعَة ظاهِرة ومَنْفَعَة باطِنَة، كِسْوَةٌ للبَدَن في بَاطِنِهِ وكِسْوَةٌ للبَدَن في ظاهرِه، كسوةُ البدن في الباطِن؟ أكْل اللحم فإنَّمَا أكْل اللحم كِسْوَة للبدَن في باطِنِه، ولِهذا قال لآدَم: (( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ))[طه:118]ولم يقُل: ولا تَظْمَأ بل قال: (( ولا تعرى ))، لأنَّ الجُوع عُرْيُ البَاطِن والعُرْي عُرِيّ الظاهر طيب ثم نقُول: ذَكَر الله لباسَيْن اللِّبَاس البَاطن بأكْلِ اللَّحْم، واللِّبَاس الظَّاهِر بهذِه الحِلْيَة.
(( ومِن كُلٍّ )) (( وَتَسْتَخْرِجُونَ )) نعم، (( وَتَرَى )) تُبْصِر (( الْفُلْكَ )) السُّفُنَ (( فِيهِ )) في كُلٍّ منهما (( مَوَاخِرَ )) " نعم قال: (( وترى )) أي تُبْصِر " الخطاب لِمَن لِكُلِّ مَن يَتَوَجَّه إلَيْهِ الخِطَاب، والرؤيَةُ هنا بَصَرِيَّة، رُؤْيَة بَصَرِيَّة فإِنَّ مَن يُشَاهِد الموَاخر في البِحَار تمْخَر الماء أي تَشُقُّه، وقوله: (( فِيهِ مَوَاخِرَ )) قالَ المؤلِّف: " في كُلٍّ منهما " أشارَ المؤلف رحِمَه الله من الإشكَال .. لأَنه هُنَا قِيل: (( وما يَسْتَوِي البحرَان )) ثمَّ قال: (( وترى الفُلْكَ فيه )) ومقْتَضَى السياق أن يكون التَّعْبِير هكذا: وترى الفُلْكَ فيهِمَا. ولكن الضَّمير .. إلى أي البحرَيْن وإنَّما يعُود على (( كُلّ )) و(كل)كلمة لفْظُها مُفْرَد فعَادَ الضمِير في هذه الآية على (كُل) باعتبار إيش؟ باعتبار اللفظ لأنَّه مفرد، ومِن هنا قال المؤلف: " في كُلٍّ منْهُما " انتبه فزَالَ الإشكال، طيب وقولُه: (( مواخر )) قال: " تَمْخَر المـَاء أي تشُقُّه بِجَرْيِها فيه مُقْبِلَة ومُدْبِرَة برِيحٍ واحِدة " وهذا مِن نعْمَةِ الله عز وجل أن سَخَّرَ الفلكَ لنا تجري على هذا الماء وتمْخَر عُبَابَ الماء حامِلَةً أنوَاعَ الأَرْزَاق، وحامِلَةً البَشَرَ الكثير، ولذلك ترَوْنَ الفُلْك الآن تُعْتَبَرُ بَلَدًا كَامِلًا إذَا دَخَلْتَها وإذا هي كالبَلد، هذا مِن نِعْمَةِ الله سبحانه وتعالى فذكر .. ثلاثة أنواع: الأولى: أكْل اللحم والثاني: الحِلْية، والثالث: البَوَاخِر التِي تَعْبُر أو تَشُقُّ المـَاء من نَاحِيَةٍ إلى أُخْرَى لِتَنَقُلَ الأَرْزَاقَ والآدَمِيِّين، وتأمَّل قولَه هنا: (( تستخْرِجُون حلية )) و(( تأكُلُون )) (( وترى الفُلْكَ فيه مَوَاخِر )) لأَنَّ السَّمَك أكلُه هَيِّن ما يَحْتَاج إلى كُلْفَة فَذَكَرَ الأَكْل مُبَاشَرَة، اللُّؤْلُؤ والمرْجَان يَحْتَاج إلى كِلْفَة وإلى تَعَب لأنه يحتاج إلى غَوْص وآلَات وطُول نَفَس أو حَمْل أشْيَاء تُعِين على التَنَفُّس ولهذا قال إيش؟ (( تَسْتخْرِجُون )) أي تطْلُبون ...، الفُلْك قال: (( تَرَى الفلك فيه مواخر )) لأَنَّ مشاهدَتَها بالعين وهي تعُبّ تَشُقُّ الماء مِن أعْظَمِ يعني ... مِن أعْظَمِ آيَاتِ الله عز وجل.
قال تعالى: (( لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ )) (( لتبتغُوا )) تَطْلُبُوا (( مِن فَضْلِهِ )) تعالى بالتِّجَارَةِ (( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) اللهَ على ذلك " يعني سَخَّرَ الفلْك وجعلَها مواخر في هذا البحْر لِأَمْرَيْن أولًّا (( لِتَبتغوا مِن فَضْلِه )) أي تطْلُبُوا الرِّزْق حين تحْمِلُه هذه البَوَاخِر، و.. الآن ما الذي يحمِل إلينا مثلًا الأرْزَاق مِن أمْريكَا ومِن اليَّابَان و.. الأخرى البعِيدة إلَّا .. في هذه البواخِر التِّي تَحْمِل الأشْيَاء الكثيرة، هذا مِن فضْلِ الله عز وجلّ ولذلك قال: (( لِتبتغوا من فضله ))، أما قولُه: (( ولعلكم تشكرون )) فإنَّ (لعَلَّ) هنا لا ندري معناها حتى نسْتَعْرِض المعاني التي تأتِي لها (لعل)، (لعل) تأتي للتَرَجِّي وتأتِي للتَوَقُّع وتأتي للإِشْفَاق وتأتي للتَّعْليل، فلأَيِّ المعَانِي كانت في هذه الآية؟
الطالب: التعليل.
الشيخ : التعليل، يعني لِأَجْل أن تَشْكُرُوا الله عز وجل، إذا رَأَيْتُم هذه البواخر تمْخُرُ الماء وتَأْتِي بالأَرْزَاق مِن ناحية إلى ناحية فإنَّ هذا يسْتَوْجِب أن تَشْكروا الله سبحانه وتعالى على هذه النعْمَة، والشُّكْر قال العلماء في تفسيره: "
هو القِيام بطَاعَةِ المـُنْعِم اعترافًا بالقلْب وتَحَدُّثًا باللِّسَان وطَاعَةً بالأَرْكَان " فمواضِعُه ثلاثة: القلب واللسان والجوارح، ولهذا قال الشاعر -يا فهد؟
الطالب: أفادتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً يَدِي ولِسَانِي والضَمِيرَ المـُحَجَّبَا
الشيخ : أفادتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً يعني العطف من هذه الثلاثة
أفادتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً يَدِي ولِسَانِي والضَمِيرَ المـُحَجَّبَا
فهذا الشُّكر يكون في هَذه المواضِعِ الثَلَاثَة، والحمْد يكُونُ باللسان، الحمْد يكون باللسان، فمُتَعَلَّق الشُّكْر أعَمّ وسبَبُه أخَصّ، ومُتَعَلَّق الحمْد أخَصّ وسببُه أعَمّ، لأنَّ الحَمْد يكونُ في مُقَابَلَةِ النِّعْمَة، ويكونُ في مُقَابلَةِ كَمَال المحمُود، فهو أعَمّ مِن حيث المـُتَعَلَّق، بخِلَاف الشُّكْر فإنَّه أخَصّ يعني هو في .. نعم مُتَعَلَّق ... ، الشكر أعمُّ في المتَعَلَّق وأخَصّ في السَّبَب والحمْد بالعكس.
قال: (( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ )).
الطالب: الفوائد.
الشيخ : الفوائد قال الله تبارك وتعالى، الفوائد ..... في الدرس الجديد؟
الطالب: .....
الشيخ : الآن أحسن؟ ....