تفسير قول الله تعالى : (( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى )) حفظ
قال: (( وإن تدْعُ مثقلةٌ إلى حملها لا يُحمَل منه شيءٌ )) " (( إن تدع )) نفس (( مثقلة )) بالوزر (( إلى حملِها )) منه أحدًا ليحمل بعضه (( لا يُحمَل منه شيء )) ... ((مثقلة)) بماذا؟ بالأوزار ((إلى حملها)) لِيُحمل عنها بعضُه ((لا يُحمَل منه شيء)) وجملة ((لا يُحمَل منه ..)) جواب الشرط، الشرط قوله: ((إن تدع)) وهو مجزومٌ بحذف الواو والضمة قبله دليل عليه، و((لا يحمل)) هذا هو جواب الشرط و((شيءٌ)) نائب فاعل يعني أنَّه كما أن الغير لا يَحْمِل على الغير وزرَه فإنه حتى وإن دُعِي واستُنجد ليحمِل أو يخفف عن الوازر شيئًا لم يمكن ذلك، في الدنيا ربما يؤخذ الإنسانُ بتبِعة غيره، في الدنيا أيضًا إذا استغاث بك إنسانٌ قد حمل شيئًا ثقيلًا هل تنجدُه ولّا لا؟ تنجدُه، لكن في الآخرة لو دعت نفس مثقلة إلى حملِها ليحمل أحد منه شيئا فإنها لا تُجاب إلى ذلك (( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمَل من شيء ))، وقوله: (( شيء )) نكرة في سياق النفي فتَعُمّ القليل والكثير، وقوله: (( مثقلة )) هي أيضًا نكرة في سياق النفي فتعُم أيّ مثقلة مهما كانت هذه المثقلة فإنها إذا دعت أحدًا من الناس أن يحمِل عنها من أثقالها لا يحمَل منه شيء.
ثم قال: (( ولو كان ذا قربى )) "
(( ولو كان )) المدعُوُّ (( ذا قربى )) قرابة كالأب والابن " قوله: " (( ولو كان )) المدعو " ألا يمكن أن نقول: ولو كان الداعي؟ يمكن لكن متلازمان، لأنَّ المدعو إذا كان قريبًا من الداعي كان الداعي قريبًا له لكن أيُّهما أنسب من حيث السياق (( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل من شيء ولو كان ذا قربى ))؟
الطلاب: المدعو.
الشيخ : لكن هو إن تدع مثقلة .. هو الداعي، (( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى )) نقول: المدعو أقرب، لأنه لو كان المراد الداعي لكان -والله أعلم- الأنسب أن نقول: ولو كانت ذا قربى لأنه قال: (( إن تدع مثقلةٌ )) ومعلوم أن ضمير المؤَنَّث ولو مجازًا يكون؟ أجيبوا! ضمير المؤَنَّث ولو كان مجازًا يكون
الطالب: مؤنّثًا
الشيخ : يكون مؤنّثًا، ولّا لا؟ قال ابن مالك:
وإنما تلزم فعلَ مضمَر *** متَّصِل أو مُفهِم ذات حِر
واضح؟ إذًا ((وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كانت ذا قربى)) صَح ولو كانت الداعية، لكن لما قال: (( ولو كان ذا قربى )) مذكر عُلِم أنَّ الفاعل غير الداعي ... وقوله: (( قربى )) أي قرابة ومنه قوله تعالى: (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى )) أي القرابة، وقوله تعالى: (( قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى )) فالقربى هنا بمعنى القرابة، لو أن الأب استنجد بابنه يوم القيامة أن يحمِل عنه من أوزاره أجاب؟ لا ما يُجيب بل (( يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه )) ليش؟ (( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ))، طيب (( ولو كان ذا قربى )) قال .. المؤلف رحمه الله تعالى: "
وعدم الحمل في الشقين حُكْم من الله " قوله: " عدم الحمل في الشقين " أين الشقان؟ قوله: (( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) أي لا تحمل (( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ))، وإذا كان من الله فإنه لا يمكن أحدًا أن يحمِل عن أحدٍ شيئًا ولو رضي فلو أنّ أحدًا قال لشخص: آثامُك عليَّ. يمكن يكون هكذا؟ ما يصح، لأنَّ الذي لا يُحَمِّل هو الله فالحكم من الله عز وجل، لو أن أحد استنجَدَ بأحد أن يحمِل عنه ووافق على نجدته له ذلك ولّا لا؟
الطلاب: ليس له ذلك.
الشيخ : لا، لأن هذا حكمٌ من الله عز وجل، هذا الفعل في قوله: "
وعدم الحمل في الشقين حكم من الله " أي فليس لأحدٍ أن يتجاوزَه يعني الحكم، ولهذا قال الله تعالى: (( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم )) قال الله تعالى: (( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وإنهم لكاذبون ))، يعني يقولون ذلك ولكن هم ليسوا بصادقين في هذا التحمل (( وإنهم لكاذبون )) ثم قال: (( وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم )) لا بالتزامهم ولكن لأنهم هم الأسوة والقدوة فكانوا يحملون أثقالَهم وأثقال من أضلوهم.