تفسير قول الله تعالى : (( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير )) حفظ
قال الله تعالى: (( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب )) ((إنما تنذر)) هذه الجملة فيها حصر طريقُه ((إنما)) والحصر يا حجاج ما هو؟
الطالب: حصر الشيء في الشيء.
الشيخ : ما معنى حصر الشيء في الشيء؟
الطالب: ((إنما)) أداة حصر.
الشيخ : .. ما معنى الحصر؟
الطالب: هو يعني أن يحصر
الشيخ : الشيء في الشيء. ما معنى حصر الشيء في الشيء؟ .. وكررت الأمر
الطالب: إثبات الحكم في الشيء..
الشيخ : إثبات الحكم في المذكور -وإن شئت فقل في المحصور فيه- ونفيه عما سواه، (( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب )) كأن يقال: ما تنذر إلا الذين يخشون ربهم، و((تنذر)) من الإنذار وهو الإعلام المقرون بالتخويف، هذا الإنذار الإعلام المقرون بالتخويف، وإن شئت فقل: الإعلام المراد به التخويف، لأنه يقال ... يظهر من هيئة الكلام والسياق مثلًا أنه للتخويف، فمُنْذِر الجيش يقول: واصباحاه! بس فيعرف الناس أن هذا إنذار للجيش، إذًا الإنذار معناه الإعلام المرَاد به التخويف فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول الله له: (( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب )) وقوله: (( يخشون ربهم )) الخشية هي الخوف النابع عن تعظيم المخوف والعِلم به قال الله تعالى: (( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء )) وقولنا: إنه الخوف النابع عن تعظيم المخوف ليشمل من كان خائفًا ولو كان هو قويًّا يعني معناه القوي قد يخاف منه آخرون فتكون هذه خشية، فإن خاف الضعيف من قوي فهو خوف ولهذا نقول: إن الخشية أعظَم من الخوف قال الله تعالى: (( إنما يخشى الله من عباده العلماء ))، وقول ..: (( الذين يخشون ربهم )) أي يخافونه خوفًا نابعًا من تعظيمهم له مع علمهم بأنه مستحق للتعظيم، وقوله: (( يخشَون ربهم بالغيب )) الغيب ضِد الشاهد والمعلوم، أي: " يخافونه وما رأَوه " فأفادنا المؤلف بالغيب أفادنا أن قوله (بالغيب) حالٌ من المفعول به أي يخشون ربهم حال كونِهم غائبًا عنهم لم يروه، انتبهوا! هذا أحد الوجهين في الآية، الوجه الثاني يخشون ربهم حال كونهم غائبين ... حال كونهم غائبين عن غيب فيكون الجار والمجرور حالًا من الفاعل، لأن مِن الناس مَن يُظهِر خشية الله أمام الناس لكنَّه إذا غاب عن الناس لم يخْشَ الله هل يُمدَح هذا على خشيته؟ لا، لأنه مرائي لكن الذي يخشى ربَّه بالغيب هذا هو الذي يُمدَح فإن قلت: هل يمكن أن تُحمَل الآية على المعنيين ويكون هؤلاء الذين مدحهم الله يخشون الله لأنهم ... يخشون الله في حال الغَيبة على الناس؟ فالجواب: نعم وهذا مِن بلاغة القرآن أن يُعبِّر بتعبيرٍ صالحٍ لمعنيين لا يتنافيان فهؤلاء القوم يخشون الله تعالى وهم لم يروه ولكنهم يخشونه كأنهم يرونه، لأنهم يخشونه في الغيب والشهادة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، وقوله: (( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب )) لا ينافي أنه مُنذِرٌ لجميع الناس (( إنَّا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا )) (( إن أنت إلا نذير )) وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على عموم إنذارِه لماذا؟ لأنَّ المراد بالإنذار هنا الإنذار النافع أي إنما يؤَثِّر إنذارُك للذين يخشَوْن ربهم بالغيب أما مَن لا يخشى الله بالغيب فإنه وإن أُنذِر لا ينتفِع بالإنذار ولهذا قال المؤلف رحمه الله مشيرًا إلى ذلك: " لأنهم المنتفعون بالإنذار " لأنهم أي الذين يخشَوْن ربهم بالغيب المنتفعون بالإنذار فلهذا خَصّ الإنذار بهم، إذًا الحصر هنا -حصر الإنذار في الذين يخشون ربهم بالغيب- المراد به حصر الانتفاع به أو حصر نفعه إنما يكون لمـَن .. أما مَن لا يخشى الله فإن هذا لا .. (( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءَتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم )) ...