تفسير قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) حفظ
(( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) (( أرسلْنَاك )) الإرسَال بمعنى الأمْر بالتَّبْلِيغ أو في قَضَاءِ الحاجة فمَثَلًا تقول: أرسلْتُ غلامِي يُخْبِر فلانًا بِكذا وكذا يعني أمرْتُه بالتبليغ، أرْسَلْتُ غلامي يَشْتَرِي كذا وكذا. أمرْته أن يشتري الحاجة لكنها منفعة يعني الدفع، وقوله: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ )) هذه يحْتَمِل أن تَكُونَ البَاء للتَّعْدِية أي أنّنا أعطيناك حقًّا وأرسلناك به، ويحتمِل أن تكون وصْفًا للرسالة يعني أرسلناك رِسالةَ حَقّ، والمعْنى يخْتَلِف فعَلَى المعنى الثاني: يكون معنى الآية أن رِسَالَةَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقّ، وعلى المعنى الأول يكون معنَاها أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاءَ بالحق، وإن كان المعنيان متلازمِين لكنهما مختلفَان مِن حيث المورِد، فعلى الأَوَّل يكون مورد الوصْف نفْس الرسالة، وعلى الثاني يكون مورد ذلك -مورِد الوصْف- المـُرْسَل به، أفهِمْتُم الآن ولَّا لا؟ (( أرسلناك بالحق )) أي أعطَيْناك حقًّا تُبَلِّغُه للناس، (( أرسَلْنَاك بالحق )) يعني أنَّ رسالَتَنا إليك حَقٌّ فيكُون الوَصْف لإيش؟ للرسالة نفسِها، يعني: لست بكاذِب بل أنت صادِق هذا على جعْلِنَا الوصف عائدًا على الرسَالَة، أمَّا إذا جعلناه عائدًاً على المرسَل به فالمعنى أنَّ ما جئت به ليس ببَاطِل بل هو صِدْقٌ في الأخبار وعَدْلٌ في الأحكام.
(( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا )) قال المؤلف: " بالهُدى (( بشيرًا )) مَن أجَاب إليه (( وَنَذِيرًا )) مَن لم يُجِبْ إليه " نعم (( بشيرًا ونذيرًا )) يعني أنَّك تُبَشِّر وتُنْذِر لكن تبشِّر بالخير مَن أجاب وتنذِرُ بالعُقوبة من لم يجِبْ وعصى، وذلك لأنَّ الشرْع يتضَمَّن أوامر ونواهي فمَنِ ارتَكب النواهي أو ترَك الأوامر واجَهْنَاه بماذا؟ بالإنذار، ومن فَعَل الأوامر واجتنب النواهي واجهْنَاه بماذا؟ بالبَشَارة.
(( بَشيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ )) (( وإن )) ما " يعني نافية (( مِن أمة )) (( مِن )) حرف جر زائدٌ زائدٌ، طيب، أو زائدٌ زائدًا، يجُوز، على أن تكون (زائدًا) حال مِن .. مفرد في (زائد) الأولى، المهم أنه زائدٌ لفظًا زائِدٌ معنى، و(( أُمَّة )) مبتدأ، وجملة (( خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ )) نعم، خبر، ما مِن أمَّة ما هي الأمة؟ هي الطائفة مِن الناس التي على مَنْهَجٍ واحد طائفة على مَنْهَجٍ واحد ودِينٍ واحد أو قوْمِيَّةٍ واحدة أوما أشبه ذلك هذه الأمة، ليست كُل طَائِفَة نسمِّيها أُمَّة فمثلًا أنتم الآن ما نُسَمِّيكُم أُمَّة إلَّا لِأَنَّكم على
الطالب: طريق واحد.
الشيخ : طريقٍ واحد لكن لو اجْتَمَع الجماعة في مكان مُتَشَتِّتِين كلّ واحد له مَنهَج ما نقول: هؤلاء أمة، إلا إذا كانوا مِن قبيلة واحدة أوما أشبه ذلك.
(( بشيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا )) سَلَفَ (( فيها نَذِيرٌ )) نَبيٌّ ينذرها"
يعني كل الأُمَم أرسلَ الله إليهم نَذِيرَهم لِماذا؟ لِتقُومَ عليهُم الحُجَّة، لأنَّه إذا لم يكُن لِلنَّاس نذِيرٌ فإن لهم حُجَّةً على ربِّهِم يقولون: يا ربنا ما أرسلْتَ إلينا رسولًا. كما قال تعالى: (( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ))[طه:134] وقال تعالى: (( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ))[النساء:165] وسيأتِي إن شاء الله تعالى الكلام على ما في قوله: (( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) مِن الإشْكَال والجواب عنْه